د. أحمد يعقوب المجدوبة
بين الفينة والأخرى نسمع عن حملة نظافة في مكان ما تُنظمها مؤسسة رسمية أو مجتمعية أو مجموعة من المتطوعين.
وهذا فعل إيجابي، يدلّ على وعي بأهمية البيئة وأهمية النظافة في حياتنا، كما يدلّ على المسؤولية المجتمعية وعلى الإيثار، إضافة إلى قيم أخرى كثيرة.
يضاف إلى ذلك أن الحملات تأتي في وقتها لتسد حاجة ملحة، في ظل السلوك غير المقبول الذي يمارسه كثير من الناس في أماكن التنزه، حيث يتركون وراءهم أكواماً من المخلفات كان الأجدر–ببساطة وسهولة–أن يضعوها في أكياس يحملونها ويلقون بها في الأماكن المخصصة لذلك.
وفي كثير من مثل هذه الأماكن لا يوجد عمال مخصصون لتنظيفها لأن العديد منها غير مخصص للتنزه أصلاً، ناهيك عن صعوبة توفير عمال يعتنون بأماكن التنزه لكثرتها وللكلف العالية المترتبة على ذلك.
تأتي الحملات إذاً لتسد ثغرة مهمة، والمتمثلة في تنظيف أماكن قد لا تُنظف إذا لم نقم بمثل هذه الحملات، كما أنها تُعلّم الشباب والشابات المنخرطين فيها دروساً مهمة في خدمة المجتمع والانتماء له.
ومع ذلك لنا ملاحظتان على الحملات هذه، والتي أصبحت عرفاً محموداً:
أولاً، مع تشجيعنا وتقديرنا لأي حملة يقوم بها أي متطوع في أي وقت، فلا بد من مأسسة هذه الحملات وجدولتها وبرمجتها، بهدف إدامتها ثم التوسع فيها، حتى تحقق المرجو منها بفاعلية؛ وحتى لا تكون موسمية أو عشوائية.
ثانيا، والأهم في تقديرنا، لا بد أن يسبق الحملات ويواكبها ويعقبها العمل على غرس قيم وعادات النظافة الحميدة في الناس، حتى يكون الناس أنفسهم مسؤولين عن نظافة المكان الذي يرتادونه أو يتنزهون فيه، فيحرصون على إبقائه نظيفاً عندما يغادرونه، ولا يتركونه ليأتي الآخرون لينظفوا وراءهم.
وغرس قيم وأخلاقيات النظافة على درجة كبيرة من الأهمية. دوماً نقول «النظافة من الإيمان»، ونقول أيضاً إن حرص الشعوب على نظافتهم الشخصية ونظافة بيئتهم دليل على رقيّهم وتحضّرهم وعمق ثقافتهم.
وفي الحقيقة فإن إلقاء القمامة في غير أماكنها لمؤشرٌ على خلل في مجتمعنا وقصور في ثقافتنا، وعادة سيئة، لا بل مرض لا بد من معالجته.
غير مقبول ألا يقوم الفرد بوضع مخلفاته في الأماكن المخصصة حتى لو كانت تلك بعيدة عن أماكن التنزه؛ فيطرحها في غير مكانها لتشوّه المنظر وتؤذي الطبيعة وتسبب الأمراض والعلل.
وهذا أمر تربوي لا بد من العناية به في الأسرة والمدرسة والمؤسسات المجتمعية، التي من أهم مسؤولياتها ضمان تمتع الأفراد بالعادات الصحيحة والسلوك الحميد؛ ولا بد من تفعيل القوانين والتعليمات والأنظمة الضامنة لذلك.
وهنالك نقطة أخرى مهمة على هذا البعد: معالجة أسباب المرض أهم بكثير من معالجة أعراضه.
وقياساً على هذا المبدأ يمكن القول: إنّ حملات النظافة على أهميتها تعالج الأعراض ولا تعالج المسببات.
ومن هنا نقول: المهم في التعامل مع الاعتداء على البيئة عموماً وظاهرة طرح الأنقاض في غير أماكنها بالتحديد أن نُعالِج المسبّب الحقيقي–أي السلوك غير السوي–لا الأعراض فقط.