د. شهاب المكاحله
«القوة الناعمة» مفهوم خرج للعالم عقب كتاب «صعود وانهيار القوى العظمى» لبول كينيدي الذي نشر في عام ١٩٨٨ الذي يزعم فيه أن الولايات المتحدة متقدمة في العلوم والتكنولوجيا، إلا أن قوتها العسكرية واقتصادها وسوقها العالمي لا يمكن أن توفر لها كل ما تريد من هيمنة عالمية. إن الوضع الذي كان سائداً في العام ١٩٨٨ لم يعد كذلك، والسبب يعود إلى مفهوم «القوة الناعمة».
المنافسون الجدد لديهم مدخرات أكبر، ولديهم علماء في كافة المجالات مما يجعل التنافس حاداً فيما بين فارس الأمس وفرسان المستقبل ممن لهم طموحات عالمية لاستبدال العالم الأحادي القطبية بآخر متعدد الأقطاب. فجاء جوزيف ناي بمصطلح القوة الناعمة لوصف الوضع الذي جعل من الولايات المتحدة قطباً عالمياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بامتياز إذ اعتبر ناي أن القوة الناعمة هي وحدها القادرة على جذب الجميع بمحض إرادتهم دون إكراه. وناي وهو عالم بالسياسة يرى أن هذا المفهوم يتعلق أكثر بالعلاقات الدولية وتلجأ الدول إليه لدرء الخطر عنها وعن مكاسبها عبر سلاح الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع والرقمي. حيث تمكنت الولايات المتحدة من تطوير تكنولوجيا الإعلام والاتصال لتأسيس نظام عالمي جديد هدفه السيطرة الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية متخذاً من النظام الرأسمالي شعاراً له.
الجيوش النظامية قد تبني نظاماً عالمياً لكن لا يمكن تحقيق النتائج المرجوة إلا بجيش إعلامي يعمل بشكل متناغم ومبرمج على غسل الأدمغة وتأطير العقول للتأثير المباشر في القضايا والمسائل الإقليمية والدولية وفق مبدأ من يمتلك المعلومة يمتلك العالم. لذلك تعمل الدول الكبرى على تجهيز شبكات إعلامية وإعلاميين ومحللين وخبراء في علم النفس والاجتماع والفلسفة والاقتصاد والسياسة والإعلام والاتصال والسياسات ليكونوا مصدراً للمعلومات التي تروج لها جميع المحطات بدعم استخباراتي من الدول ذات الشأن. وهنا لا بد من التأكيد أن من يمتلك الإعلام اليوم هم من يمتلكون القوة الناعمة عالمياً وهم من لديهم القدرة على رسم ملامح العصر الجديد.
لذلك إذا ما نظرنا إلى من يمتلك الإعلام اليوم، نجد أن هناك ثلاث دول رئيسة: الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا. وهذا ما يفسر قوة تأثير تلك الدول على الصعيد العالمي بسبب قوة تلك الدول إعلاميا لا عسكرياً فحسب. محطات التلفزة العالمية مقرها تلك الدول كما أن وكالات الأنباء العالمية التي تستقي وسائل الإعلام العالمية المعلومات والتقارير منها تتمثل في الدول الثلاث الآنفة الذكر.
في دراسة حديثة عن تأثير القوة الناعمة على القرار السياسي ومكانة الدولة من الناحية السياسية والعسكرية، يرى خبراء الإعلام والاتصال والسياسة والدفاع أن الخبر أو المعلومة الصادرة عن وسائل الإعلام هي بمثابة الرصاصة الأولى التي قد تبني أو تهدم، أو تؤدي إلى حرب شاملة، أو إلى التهدئة والسلم.
باختصار الإعلاميون هم جيش من القوات الخاصة النفسية، لهم تأثير إيجابي أو سلبي على المجتمع وعلى المحيط باسره.