كتاب

طالبان الجديدة.. «سلوك معدل ومشروع حكم»!

قد يبدو العنوان غير مستساغ، ولكنه يعكس ما جرى على أرض الواقع إلى حد كبير، فالانسحاب الأميركي من افغانستان لم يكن نتاج اللحظة، بل هو تتويج لمفاوضات طويلة بين طالبان وواشنطن زمن إدارة ترمب والتي خلصت إلى اتفاق سلام في الثامن والعشرين من شباط من عام 2020، وهو الاتفاق الذي نص بشكل أساسي على معادلة (السلطة لطالبان في أفغانستان مقابل الأمن لأميركا وحلفائها) وكان من المفترض ووفقا للاتفاق أن يتم الانسحاب الأميركي في الحادى والعشرين من أيار الماضي، غير أن تغير الإدارة الأميركية أخر الانسحاب وعدل تاريخه ليصبح في آخر آب الجاري.

البعض اعتبر طريقة الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية بمثابة الهزيمة، فيما اعتبرته بعض مراكز البحث والدراسات بأنه منطقة رمادية بين النصر والهزيمة لكلا الطرفين، وبغض النظر عن التسمية فإن الوقائع على الأرض تؤكد أن حركة طالبان بقيادة ملا عمر ليست هي ذات الحركة بعد هزيمتها عام 2001، حيث سيطر على الحركة بعد هذه الفترة جدل داخلي بشأن مدى جدوى الارتباط باجندة (القاعدة) وبن لادن من عدمها، وتعزز هذا الجدل بعد ذلك باتجاه نظرية فك الارتباط مع ذلك المشروع، وتحديدا بعد فشل مشروع (القاعدة) في العراق في المرحلة الأولى زمن أبو مصعب الزرقاوي واغتياله، وبعد هزيمة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام «داعش» في أواخر عام 2017 في العراق ولاحقا في سوريا هذا عدا عن وقع قتل ابن لادن في الثاني من أيار في الباكستان عام 2011 والذي كان عاملا مهما في التحول نحو ما يمكنني تسميته «بالواقعية العنيدة»، كما ساهم وجود (طالبان) ومنذ عام 2011 في الدوحة وتوفير سبل التواصل لها مع العالم بصورة أو باخرى، ساهم بهندسة رؤيتها للعالم وإنتاج عقلية جديدة غير عقلية العزلة والعيش في الكهوف، فتحولت عقيدة الحركة من عقيدة جهادية أرادها ابن لادن عابرة للحدود الى مشروع سياسي يتمثل باقامة «إمارة افغانستان».

بعد عشرين عاماً ومثلما تغيرت عقلية طالبان، تغير أيضا «العقل الأميركي بشقيه السياسي والأمني»، وبات على قناعة بأن المشكلة كانت في الفكر الجهادي السلفي «العربي» الممثل بابن لادن وأستاذه عبدالله عزام وغيرهما من الذين كانوا في يوم من الأيام «أدوات واشنطن» للتحشيد ضد الاتحاد السوفييتي بعد احتلاله افغانستان عام 1979، وهو الفكر الذي رعته واشنطن ووكالاتها الأمنية حتى مطلع التسعينات وهو العقد الذي شهد تحولات عميقة غيرت شكل العالم في أعقاب سقوط المنظومة الاشتراكية وبدء مفاوضات السلام العربية – الإسرائيلية في مدريد عام 1992، والتي أفرزت بشكل موارب اتفاق اوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل وسقوط نظام صدام حسين في مطلع الالفية.

والسؤال هل تستطيع طالبان الجديدة إدارة الدولة الأفغانية وهل تستطيع الايفاء بتعهداتها لواشنطن والغرب، الجواب معلق!

Rajatalab5@gmail.com