كتاب

مؤتمر بغداد.. فرص اقتصادية وآفاق سياسية

وفقاً لمبدأ تعظيم المصالح الاقتصاديّة والقوائم الثقافيّة والحضاريّة المشتركة؛ احتضن العراق مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في محاولة لخلق آفاق وفضاءات جديدة من التفاعلات وأوجه التعاون التي قد تفضي الى ولادة شراكات باتت ضرورية لإحداث تطور ايجابي على مستوى علاقات الدول العربيّة بالقوى الاقليميّة؛ الأمر الذي قد تظهر نتائجه في عمليات التنمية والتعاون والتكامل الاقتصادي.

في الحقيقة؛ وبعد مرور المنطقة بالعديد من السنوات العجاف بما حملته معها من مظاهر التوتر وعدم الاستقرار وأحياناً الصراع والحروب في أكثر من موضع من جسد الأمة العربية بدءاً من العراق نفسه وكذلك سوريا واليمن وفلسطين وليبيا وغيرها، جاءت قمة بغداد لتشكل بارقة أمل يمكن أن تقود، إذا أُحسن استغلالها؛ إلى إعلاء قيمة المصالح الاقتصاديّة والقواسم المشتركة وتوظيف ذلك لصالح كسر الجمود وتحقيق انفراجات سياسيّة وفتح فضاءات مهمة تمكن الدول العربيّة وبعض القوى الاقليمية من وضع القضايا والملفات الاقليميّة الشائكة على تنوعها على طاولة الحوار كضرورة تفعيل واحترام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إضافة الى دعم استقرار العراق ليتمكن من استعادة عافيته بشكل تام ويعود لأخذ مكانه ودوره الطبيعي والتاريخي، عربيّاً واقليميّاً، وإيجاد حلول توافقيّة لكل من المسألة السورية والحرب في اليمن والأزمة اللبنانية وغيرها الكثير من الملفات التي تزخر بها المنطقة العربيّة.

هذا المؤتمر يشكل فرصة قوية لانطلاق عمل حقيقي مشترك لايجاد بيئة اقليمية رافضة للحروب العبثيّة بأشكالها المختلفة والصراعات البينية والأهلية ونبذ العنف والتطرف والارهاب وعمليات نشر السلاح بشكل منفلت خارج اطار الدول واستبدال كل ذلك بثقافة التعايش والحوار والاخوة والتسامح اضافة إلى سيادة لغة النوايا الحسنة وبناء جسور الثقة بين الجميع.

وبدون أدنى شك فكما تجمع المشتركات الثقافيّة بين الشعوب ولا تفرق فكذلك تفعل الشراكات الاقتصاديّة التي ستدفع الجميع عند تحققها إلى حماية المصالح الاقتصاديّة والدفاع عنها، فالمنطقة تحتاج بيئة اقليميّة آمنة ومستقرة لتتمكن من البدء بالعديد من المشاريع الاقتصاديّة والصناعيّة والاستثماريّة الكبرى، إضافة الى عمليات إعادة الإعمار وإنشاء وتحديث البنى التحتية في كثير من بلدانها، بالإضافة الى شبكات الربط الكهربائي وربط السكك الحديدية ومد الخطوط الناقلة للنفط والغاز عبر الدول وصولاً الى مناطق أكثر قرباً لوجهات التصدير النهائية أو للدول المستوردة مباشرة؟

كل هذه المشاريع تنطوي في حال تم التوصل الى اتفاقات حولها أو جرى بالفعل تنفيذ أيٍّ منها فإنها ستعود بالفائدة المحققة لجميع الأطراف إضافة لما تعنيه فرص الشراكة الاقتصاديّة والمصالح المشتركة من تزايد لاحتمالات تكوين تكتلات سياسيّة أو اقتصاديّة اقليميّة تؤسس لشكل جديد من العلاقات بين دول الاقليم تقوم على التكافؤ في الحصول على المنافع وتحقيق المصالح والاحترام المتبادل بين دول الاقليم.

قد ترى بعض القوى الاقليميّة أن افتعال الصراعات وعمليات التدخل في شؤون دول الجوار وتوسيع النفوذ والتأثير عبر دعم وتسليح بعض المجموعات المواليّة لها بشكل غير مشروع هنا وهناك سيزيد من قوتها وحضورها الدولي باعتبارها قوة اقليميّة لا يمكن تجاوزها إلا أنها تغفل عن حقيقة أن الصراعات وزراعة ثقافة الكراهية والموت لا تحققان استقراراً ولا تبني أو تطور دولاً قوية ولا تحصن أمناً وشعوباً، في حين تؤدي العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل والحوار والمصالح المشتركة إلى التعاون أو الاعتماد المتبادل أو حتى التكامل الى نقل الدول والشعوب الى آفاق مستقبلية جديدة وعمليات بناء وتنمية مستدامة حقيقية، الأمر الذي يشكل فرصة قوية سانحة لحل كثير من المشكلات التي عانت منها كثيراً شعوب ودول المنطقة.