كتاب

الناس في حيرة.. والأحزاب تراوح مكانها

كنا قد تحدثنا في مقالة سابقة عن الإصلاح السياسي, وتحدثنا أيضاً عن قانون الأحزاب, وعن حالة اللاقبول والرضا من قبل المواطنين بالانضمام للأحزاب السياسية, وعن الأسباب التي تحول دون رغبة كثير من الناس, بالمشاركة السياسية أو المشاركة بالاقتراع في الانتخابات النيابية, سواء تعلق الأمر بالمرشحين المستقلين أو حتى الحزبيين, ام لعدم الرغبة أو القناعة لدى الكثير بجدوى المشاركة, مبررين ذلك بأن جميع قوانين الانتخاب السابقة, لم تحدث تغييراً يذكر, وإن اختلفت بالشكل أو المسميات, فالمخرجات كانت هي نفسها, بل أن هناك حالة من عدم الرضا الشعبي عن أداء مجالس النواب المتعاقبة..

وبالعودة الى الأسباب التي تحول دون انضمام أو تصويت الناس للأحزاب السياسية بالانتخابات النيابية فالحديث يطول. فكما تحدثنا وتحدث الكثير, فإن هناك أسباباً عديدة منها اضمحلال الفكر الأيديولوجي القومي أو السياسي, والأهم من ذلك الموروث التاريخي السلبي عن الأحزاب السياسية، سواء تعلق الأمر بولاءاتها الخارجية, أو بسبب تحريمها في فترة الأحكام العرفية, التي فرضت بعد نكسة حزيران عام 1967, والتي على إثرها تعطلت الحياة السياسية في البلاد، وهو ما يؤكد أن الثقافة الحزبية «منقوصة» عندنا والثقافة البرامجية غير موجودة أيضاً.

نعلم جميعاً أن من مهام لجنة الإصلاح السياسي, الخروج بصيغة توافقية لقانون الانتخاب, تضمن مشاركة واسعة للأحزاب في الحياة السياسية, ولسنا هنا بصدد الحديث عما يتم تداوله أو يرشح من معلومات أو مقترحات عن اللجنة لتعديل قانون الانتخاب أو الأحزاب, تسهم في زيادة أعداد الحزبيين في مجلس النواب.. ولكن ما يجعلنا نستبشر الخير ويدفعنا للأمام في عمل (لجنة الإصلاح) إيمانها بطموحات الملك وطموحات الأردنيين لمئوية تليق بالشعب والقيادة.

وقد نختلف أو نتفق في الطرح, ولكننا نلتقي في الغاية والرؤية والرسالة, وهنا كما يقال مربط الفرس, فإذا قبلنا بأن الغاية نبيلة, فلا طائل ولا جدوى من ذلك, ما لم يبادر الطرف الثاني, أي الأحزاب نفسها بمختلف مسمياتها وتوجهاتها الفكرية على امتلاك القدرة والأدوات, التي تمكنهم من الاستفادة من هذا التغيير, على قاعدة (إذا هبت رياحك فاغتنمها)... فنحن نعلم جميعاً أن الأحزاب عاشت طوال تلك الفترة الزمنية السابقة في حالة من السبات بل استكانت وقبلت أن تلعب دور (الضحية) والمظلوم المغلوب على أمره.. فعليها أن تستثمر هذا المناخ الإيجابي بطريقة صحيحة, وعمل دؤوب وجهود مضنية في استغلال العامين المتبقيين من عمر المجلس الحالي للتحضير بالانتشار المكاني والزماني, واستغلال كافة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في الحوار والإقناع. فالمواطنون لن يستقبلوهم بالأحضان, بل في السؤال عن مدى قدرتهم على إحداث التغيير وحل المشاكل, وهنا مربط الفرس, فهل الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة قادرة على نفض الغبار ومواكبة هذا التغيير؟, وهل تمتلك الرغبة والقدرة على التنظيم والإندماج والتوحد في تيارات حزبية تتفق وطبيعتها الفكرية والأيديولوجية؟ أم ما زالت تعيش في حالة من التشرذم والتنازع, فهذه الأسئلة جميعها تحتاج الى إجابات وخطوات على أرض الواقع, فمهما توفره لك الأدوات فلا قيمة لها ما لم تكن قادراً على استغلالها بإقناع الآخرين بجودة ما تملك.

وفي النهاية نعلم جميعاً أن العودة للحياة الحزبية لن تكون بين ليلة وضحاها, ولكن لا بد من استغلال البدايات بشكل صحيح, فكما يقال: إذا كانت المدخلات صحيحة فالمخرجات صحيحة والعكس صحيح..