النائب د. فايز بصبوص
ان مجمل الاحداث العاصفة التي تحدث في منطقتنا والتي تتسم بالتسارع الكلي وعلى كل الجبهات لا تأخذ بعين الاعتبار معايير القياس التاريخي في التحولات السياسية ببُعديها الاكاديمي والتطبيقي وعلم الاحتمالات والاختيار والتي هي حاضنة التدرج في الاستشراف السياسي للاحداث في سياقها الكمي..
ما نشهده اليوم هو تحولات تتسم بالصدمة وخارج اطار التوقعات رغم المؤشرات على تلك الانقلابات السياسية المفاجئة وغير الدموية وهو ما يجعلنا نقف امام مفهوم الاستشراف السياسي للاحداث القائم على معايير القياس التقليدية والذهاب الى قراءة اوسع لما يطبخ خلف الكواليس ويتراكم كما حتى الاشباع وصولا الى تحول كيفي ينسف ما قبله ولا يرتكز في برنامجه على ما بعده.
هذا التقديم جاء نتيجة للاحداث التي حصلت في افغانستان اخيرا وفي لبنان وفي تونس ايضا منذ فترة وجيزة فلم يخطر على بال اي محلل وقارئ للواقع السياسي اللبناني ان تصل البلاد الى مرحلة الاحتضار الاقتصادي الناتج عن الازمات المتراكمة وتغيب المؤسسات وافتقادها الى الشرعية والصلاحيات الواسعة فكل يافطاتها وحركتها تأتي ضمن المراحل الانتقالية غير الملزمة.
وهنا يغيب او يغيَّب دور الدولة اللبنانية لصالح المحاصصات السياسية دون الاخذ بعين الاعتبارعظمة الشعب اللبناني والذي اقره تاريخ منطقتنا من ابداع وقدرة على صناعة الرفاه من شقوق الانهيار الكلي..
هذا مثال يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار عند الارتكاز على مفهوم العلاج بالصدمة.
اما المثال الآخر والاكثر وضوحا فهو المثال الافغاني والذي فاجأ تطوره كل دول العالم ومراكز صنع القرار والمؤسسات الاستخباراتية والامنية وهو ما جعل من الازمة الافغانية تتصدر المشهد ليس من باب مفهوم النصر والهزيمة ولكن من باب خروج تلك الازمة عن دائرة التحليل التقليدي لبواعث الصدمة الافغانية والتي فاقت كل التوقعات واجبرت خلالها حركة طالبان على الدخول الى العاصمة الافغانية ليس من باب التحرير ولكن من بوابة الانفلات الامني الذي تبع مغادرة رئيس البلاد اشرف غني.
وهذا طبيعي جدا اذا ما قارناه بالخوف من النجاح العسكري لحركة طالبان على مستوى الكل الافغاني والذي ادى الى الخروج عن اتفاقية الدوحة والتي كانت تنص على ان تبقى حركة طالبان على اطراف العاصمة الافغانية (كابول) لحين التوصل الى اتفاق بين الترويكا واعني هنا طالبان والحكومة الافغانية والولايات المتحدة الاميركية ولكن مغادرة رئيس البلاد وانهيار الاجهزة العسكرية والامنية وحتى الشرطية منها، أدى ببطالبان الى الاسراع في ملء الفراغ في كابول لضبط ايقاع الفوضى ما بعد الانسحاب الاميركي وتدوير الزوايا اتجاه ان الحركة منفتحة على كل مبادئ الانسانية الدولية وحقوق الانسان مبادرة الى العفو عن كل المتعاونين الافغان مع القوى الغربية باعثة برسالة تطمئن من خلالها دول الجوار والعالم باسره.
هنا يجب ان يقف المراقب السياسي وقفة جادة واعادة تحديث مرتكزات التشخيص والتحليل والاستنتاج التقليدية والبحث عما يطبخ بغموض خلف الكواليس والذي يفاجئ كل مراقب مهما علا شأنه.