عبدالهادي راجي المجالي
.. أمضيت ليلتي أمس وأنا أقلب في كتاب أحمد زيدان (صيف أفغانستان الطويل).. وهو بالمناسبة مدير مكتب الجزيرة السابق في (كابل)، وأحد الذين وطأت أقدامهم أفغانستان منذ العام 1983..
يعتبر كتابه، من أهم المراجع في شرح المشهد الأفغاني.. كونه احتوى على مقابلات مع قادة الحرب هناك، ومن أبرزهم الشهيد عبدالله عزام... وفيه تأصيل لقراءة الأزمة وما يحدث..
في اللقاء الذي أجرته الجزيرة يوم أمس مع زيدان، وعند سؤاله عن المشهد قال: أميركا انهزمت في أفغانستان.. لأنها جاءت إلى دولة قبلية وأرادت تحويلها إلى دولة مدنية، بالمقابل طالبان حركة قبلية وتعاطت مع المشهد في الإطار القبلي..
ويضيف زيدان: يبدو أن أميركا لم تفهم جيدا تكوين المجتمع الأفغاني، جاءت كي تنتج وصفتها ولم تقم بمراعاة الطبيعة أو المكونات الاجتماعية...
ثم أضاف زيدان: طالبان دخلت أغلب الولايات الأفغانية، عبر التفاوض مع شيوخ القبائل، وكانت تعطيهم الأمان وتخاطبهم باللغة القبلية.. كونها حركة لها حواضن متشعبة وكبيرة داخل المجتمع، بالمقابل لم يتقبل المجتمع الأفغاني كثيرا الوصفة الديمقراطية التي جاءت بها أميركا...
في كتابه أيضا يقرأ زيدان المشهد الإيراني، فهو يقول إن 15% من الشعب الأفغاني يدين بالولاء لإيران، وكانت طهران تراهن..على أن الإنسحاب الأميركي، ربما سينتج حربا أهلية..وبالتالي سيتيح لإيران أن تزج بلواء (الفاطميين) في هذه الحرب وتضع قدمها على التراب الأفغاني...ولكن بعد ما حدث يبدو أن إيران ستكون الخاسر الأكبر في هذا المشهد، لأن الشعب الأفغاني في أغلبه من البشتون ولديه مرجعية فقهية واحدة وهي المذهب الحنفي..ناهيك عن المرجعيات القبلية.. وطالبان تنظر لإيران على أنها العدو الأكبر..
يضيف زيدان في الكتاب، أن القوى الإقليمية مثل الصين والهند وباكستان وروسيا، ستتهافت لإنتاج علاقات طبيعية مع طالبان...
بالنسبة للتنظيمات الراديكالية مثل داعش والقاعدة يؤكد زيدان: أن حظوظها في إيجاد مساحة لها في الداخل الأفغاني ستكون قليلة، لأن طالبان لن تسمح بوجود منافس لها.. ناهيك عن كونها استفادت من تجارب سابقة...
في النهاية، وأنا أقلب كتاب زيدان.. وجدت أن هنالك بعض الالتباس في الإعلام العربي.. فهو ينظر لطالبان كحركة جهادية إسلامية، وهذا الأمر مرتبط بأيديولوجيا الحركة.. ولكن في حركتها وطبيعتها وحواراتها مع الآخرين تبقى طالبان حركة وطنية أفغانية...
ما حدث أمس وأول أمس، وبغض النظر عن القراءات المختلفة لهذا الحدث.. إلا أنه يؤكد حقيقة مهمة وهي: (اللي متغطي بالمحتل بردان).. ويؤكد حقيقة أخرى مفادها أن: أميركا قد هزمت.. في هذه الحرب بعد أن دفعت (تريليون) دولار، وأنفقت منها على تسليح وتدريب الجيش الأفغاني ما يقارب الـ (100) مليار دولار...
أفغانستان أعادت إنتاج مشهد فيتنام مرة أخرى، ولكن دون قطرة دم واحدة.. وبالمناسبة لا أكذب إن قلت لكم: لقد مارست الشماتة.. أميركا تستحق أن نشمت بها.
[email protected]