كتاب

التعليم الجامعي.. بالدَّيْن!

في تسعينات القرن الماضي وخلف ستار الرحمة بالطلاب الأميركيين الذين لا يتمكنون من إكمال دراستهم الجامعية بسبب عدم قدرتهم عَلى دفع رسومها المتصاعدة، وبدلاً من السعي لتخفيضها أو الغائها تفتقت قريحة دهاقنة البنوك عن خطة ذكية خبيثة تقضي بفتح باب خاص للقروض تغري الطلاب بالاستدانة كي يتغلبوا على صعوباتهم المالية الآنية لتحقيق طموحهم للتعليم لكن بشروط معقدة تغرقهم في السداد أحياناً لعقود.

وقد لاقت الخطة اقبالاً واسعاً وحققت البنوك بعد جني «فوائدها» رواجاً في «سوق» التعليم ووفرةً في ميزانيات الجامعات خاصةً غير الحكومية وطالت «المنافع» عدداً من مجالس أمنائها وادارييها، وبلغت الأموال المستثمرة في هذه القروض وفوائدها وغراماتها مبلغاً خرافياً تجاوز الـ١،٧ تريليون دولار وفاق عدد المقترضين ٤٥ مليون طالب ووصلت قيمة القروض المستحقة للتسديد ٦٥بليون دولار (ديمو كراسي ناو ٦كانون الثاني ٢٠٢١) لكن الخطة بالمقابل خلّفت مع الوقت ملايين من الطلاب عاجزين عن السداد (وغالبيتهم من السود) ما اضطر الحكومة الاميركية ان تتدخل اكثر من مرة لحل المشكلة المتفاقمة،ففي عهد اوباما خُفضت الاقساط من ١٥% من الدخل الى ١٠% لكنها استمرت في الاستفحال الى حد توقف أعداد كبيرة من المقترضين عن الدراسة واضطرارهم للعودة للعمل لتسديد فوائد الاقساط على الاقل، اما بايدن الذي وعد اثناء حملته الانتخابية بتخفيض الاقساط الى ٥% فقد رفض مبدأ إلغاء هذه الديون (نيويورك تايمز١٦ تموز٢٠٢١)، وحْدَهُ السناتور بيرني ساندرز قدم في ١٩نيسان ٢٠٢١ مقترحاً لجعل التعليم مجانا لملايين من هؤلاء الطلاب وقيام الوول ستريت بدفع التكاليف عنهم وقال: «في أغنى دولة في تاريخ العالم ينبغي ان يكون التعليم مجاناً فهو حق للجميع وليس امتيازاً للقلة، ويستطيع بايدن كما وعد اثناء حملته الانتخابية إلغاء هذه الديون فوراً وليس فقط خصم عشرة آلاف دولار من كل قرض!».

على ضوء هذه الحقائق المقلقة عن النتائج الكارثية للقروض الطلابية في اميركا نفسها أستذكر الان اجتماعاً هاماً دعيت له قبل عشر سنوات لبحث تردي التعليم العالي واسبابه في الاردن وقد حضره عدد من كبار الأساتذة الجامعيين منهم من تسلموا مناصب حكومية رفيعة ولم يحركوا ساكناً لإصلاح الجامعات،وبعضهم من مؤسسي الجامعات الخاصة وكبار مساهميها، وأكثرهم من خريجي الجامعات الاميركية والمنتمين فكرياً، كما عرفتهم جيداً، لفلسفة التعليم الأميركي التي تخدم اقتصاد السوق واهدافه، ما يفسر حماسهم لفكرة القروض البنكية (إياها) كحل يؤدي الى رواج الاستثمار(!) في الجامعات وكأنهم لم يعرفوا النتائج الكارثية التي وقعت في اميركا نفسها والمصائب التي حلت بطلابها، كما استُبعدت في الاجتماع تماماً مجانية التعليم الجامعي !

وبعد.. فهذه «العبرة» الاميركية ليست موجهةً لهؤلاء الأساتذة وسواهم من الداعين لتسليع التعليم، ولا لأصحاب البنوك ممن يسيل لعابهم على خطة إقراضية لمئات الألوف من الزبائن الجدد، بل هي صافرة إنذار للاتحادات الطلابية ودرس بليغ للطلبة أنفسهم واولياء امورهم كي لا يقعوا في الفخ.. فقد يُنصب في اي وقت!