في طفولتي مثلا, عاصرت (الكي).. وتعرضت له، كانت الجدات يثقن به كدواء أكثر من الأطباء, وعاصرت (غسل الصوف) من أجل عروس تستعد لزفافها, وما جعلها تقع في غرام عوض هو (شاربه), كان الشارب يعتبر من مستلزمات الوسامة..
عاصرت في طفولتي أيضا سجائر (الفيلادلفيا).. وكان هذا النوع يدخنه, الرفاق الذين جاءوا من سوريا والعراق للتو, وكل ملتبس في الخط السياسي.. وأيضا رؤساء البلديات قاموا بتدخينه من قبيل الوجاهة..
أتذكر ايضا: أني عاصرت الشتاء بكل قسوته.. وصوبات (علاء الدين) التي كانت تحظى بقبول هائل لدى الأمهات, وبرفض عنيف من قبل الآباء.. الذين كانوا يميلون (للفوجيكا)...
في صباي تغيرت المفاهيم والقيم, ظهر راغب علامة وعمرو ذياب ووليد توفيق, كان مستهجنا لدينا أن نرى مطربا يرتدي (إسوارة).. وسلسلة في الرقبة, ويرقص بمصاحبة فرقة استعراضية بأزياء غريبة.. حين كان يظهر راغب علامة, كنا نهرب من جانب أبي.. كان يعتبر النظر إليه ومشاهدته مسَّاً بالثوابت القومية والإسلامية والعشائرية.. وكان يتوعد مدير التلفزيون ووزير الإعلام.. وذات يوم أتذكر أني كنت أغمس القرشلة بالشاي, لم أكن منتبها للتلفاز الذي يعرض أغنية: (يا اللي توهت الشبكة والصياد..) لراغب علامة, وفجأة تعرضت لصفعة عنيفة جدا على الخ? الأيمن، قال لي أبي بحدة: (بتتفرج ودك اتصير زيو)..؟
قلت: في الصبا تغيرت مفاهيم كثيرة, تغيرت ألوان القمصان التي نرتديها وبرز (الفوشي) كثورة في اللون, والسيارات تمردت على اللونين الأبيض والأسود.. وقد ظهرت السيارة الروسية (لادا) باللون البرتقالي, والنساء تغيرن أيضا.. والحب هو الآخر تغير فلم تعد النظرة تكفي, بل صارت (الغمزة) مباحة, وأحيانا كنا نتطاول في العشق.. ونضع (الجل) وقد برز هذا المستحضر الذي يعطي الشعر لمعاناً, كثورة في عالم الوسامة.. لكني للأسف كنت اضعه حين يكون أبي خارج المنزل، هو الآخر كان لديه موقف من الجل ويعتبره مسّاً بالثوابت القومية والوطنية والإ?لامية.. أنا لا أعرف لماذا كان لديه هذا الموقف العنيف من راغب علامة والجل.. لدرجة أنه كل ما جاء راغب على شاشة التلفاز بدأ يتوعد الرجل بكلمات من شاكلة: (أخ لو اقضبك بس..) وكلمات أخرى لا أستطيع نشرها, حتى لا يوقف المقال.
أنا الآن في مرحلة مختلفة, مرحلة: تيك توك, نانسي عجرم.. مرحلة تغير فيها كل شيء, فأنا مثلاً استطيع الآن أن أخرج ببث مباشر على الفيس بوك.. وأستطيع أن اشارك في ندوة (اون لاين ).. وأستطيع عبر جهاز صغير, أن أكتب تعليقا خادشا للحياء..كل شيء تغير , لهذا أجد في شخصياتنا بعض الفوضى.. فهي لا تستطيع أن تكون رهينة الماضي, في ذات الوقت غير قادرة على التعاطي مع الحاضر...
فوضى غريبة وعجيبة..
[email protected]
