عندما تواجه المجتمعات مواقف صعبة أو مشكلات حادة، فانها تنتقد ذاتها، وتعيب أساليبها في التعامل مع مواقف الحياة، أكثر من انشغالها بتشخيص الحالة التي آلت إليها، وتبرز في ثنايا الانتقادات مسألة المسؤولية الاجتماعية، التي هيأت الأسباب لتلك الحالة الصعبة التي يعيشها المجتمع، كالفقر والبطالة وتدني مستوى التعليم، أو ما كان يسيرا كالسواقة المتهورة أو التخلص من المهملات.
فالمسألة التي تقتضي البحث هي كيف نحول أفكارنا بخصوص المواطنة والانتماء إلى سلوك لدى الأبناء، بدافع الالتزام الراسخ بالنفس في كل موقف من مواقف الحياة، وكيف نجعل من التربية الأسرية والمدرسية الميدان الخصب لاستنبات المواطن الذي تحمل شخصيته كل مكونات المواطنة والمسؤولية الاجتماعية، كاتجاهات وميول وقناعات، لا يحيد عنها في سلوكه، عن طريق التنشئة والتربية والتوجيه.
وتسعى الأسرة أن تنشئ أبناءها على الشعور بالمسؤولية والقدرة على تحملها، وتدريبهم على تحمل مسؤوليتهم تجاه أنفسهم، كي يشب الطفل وهو قادر على تحمل المسؤولية في شؤونه الخاصة، ثم يكتسب مسؤوليات أخرى، ويتقن القيام بها، وليخرج إلى دائرة أوسع من المشاعر والأفعال المرتبطة بالمسؤولية، وتواصل المدرسة هذه المهمة بالدروس والأنشطة والتوجيه، فيتعود الطلبة الاعتماد على أنفسهم في التفكير والإجابة والنقاش وأداء الأدوار، ويشدد المعلمون على أداء الطلبة لواجباتهم البيتية الدراسية بأنفسهم، وتدعوهم إدارة المدرسة إلى الاهتمام بالن?افة والترتيب داخل الصف وفي ساحة المدرسة وفي محيطها الخارجي، كتدريب على تحمل المسؤولية في مواقف الحياة.
ولا تنقطع المواقف التربوية والتدريبية عند ذلك في غرس الاتجاهات الايجابية عند الناشئة تبدأ من الذات، بل تمتد من الأسرة إلى المجتمع المحلي فالمجتمع الوطني فالقومي فالإنساني،لتصبح واجبا يحس الإنسان بأنه عليه أن يؤديه، وان لم يؤده يشعر بالندم أو الضيق، ويعتبره الآخرون مقصرا أو متخاذلا، لا يقوم بواجبه ولا يتولى مسؤوليته الاجتماعية على النحو المأمول.
فالمسؤولية الاجتماعية لا تقوم كطبيعة في الشخص، ولا بالحث على وجودها لديه، فهي بحاجة إلى اهتمام الفرد بالمجتمع والمحيط، يرتبط بهما عاطفيا ومعنويا، وبمبعث من هذا الارتباط يهتم أن يكون المحيط آمنا مستقرا متماسكا يرتبط أعضاؤه بالتفاهم والثقة، ويشعر كما غيره أن مصلحة واحدة مشتركة تربطه بهذا المجتمع، وهذا المكان لم يعد كأي مكان، فمشاعرهم تدعوهم إلى أداء واجب خدمته وحمايته وتطويره.
يحتاج المجتمع إلى عنصر آخر من عناصر المسؤولية الاجتماعية هو الفهم المتبادل بين المواطن والمجتمع، ليفهم المواطن مجتمعه كإطار ثقافي له عاداته وتقاليده وأعرافه ومعتقداته، وليفهم معنى مشاركته في النشاط العام لمصلحة المجتمع، أما المشاركة فهي ثالث عناصر المسؤولية الاجتماعية،والتي يقوم الفرد بها مع الآخرين، عن فهم واهتمام، لانجاز ما تتطلبه مصلحة المجتمع، والتي لن تتحقق إلا بتضافر جهود أعضاء المجتمع، وهم في حالة من التأهب والرغبة.
dfaisal77@hotmail.com
مواضيع ذات صلة