كتاب

«لقاء واشنطن».. انتصار الحكمة وبداية جديدة لملفات إقليمية ثلاثة

يلتقي اليوم جلالة الملك عبدالله الثاني مع الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، وكثر الحديث عن الملفات التي ستكون على طاولة اللقاء، ولكن المهم هو أن الرئيس بايدن يبدي رغبة بالاستماع إلى ما سيقدمه جلالة الملك من تصورات حول ثلاثة ملفات رئيسة في المنطقة، وهذه الملفات تظهر مدى قدرة الأردن على لعب دور سياسي إقليمي في قادم الأيام. ما أثبتته الفترة الماضية للمطبخ السياسي في الأردن ولدوائر صناعة القرار هو أن فائض القيمة أردنياً هو الدور السياسي، وأن الاقتصاد في الأردن يتبع السياسة، فكلما استطاع الأردن أن يكون لاعباً إقليمياً مؤثراً؛ استطاع تجاوز أزمته الاقتصادية، وكلما ضعف دور الأردن إقليمياً؛ زادت الأزمة الاقتصادية.

الملف الأول سيكون بالتأكيد الملف الفلسطيني، بكل تعقيداته على الأرض، وقد يبدي جلالته تفاؤلاً مشوباً بالحذر حول قدرة الحكومة الإسرائيلية الحالية على العودة إلى طاولة المفاوضات، شريطة ألا تكون هذه الخطوة محاولة لكسب الوقت وإحداث تغييرات على الأرض، ولكن بهدف الوصول إلى حلول حقيقية مع الطرف الفلسطيني، وبالتأكيد بمراقبة أردنية، لأن الزمن أثبت صحة ما يردده جلالة الملك حول ضرورة حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وإلا فإن الانفجارات المتتالية الناتجة عن عدم حل القضية الفلسطينية ستستمر وقد تدخل المنطقة في نفق مظلم.

أما الملف الثاني فسيكون الملف السوري، وهنا قد يضطر بايدن إلى سماع سردية سياسية قد لا يرغب القادة الأميركيون سماعها في العادة، فالمقاربة الأردنية لكيفية التعامل مع الملف السوري الشائك مختلفة عن أية مقاربات أخرى سواء تلك التي تقدمها قوى إقليمية مختلفة، لها أطماعها وحساباتها الخاصة بها طبعاً، أو قوى دولية تحاول البقاء في سوريا أو دخولها أو إعادة تموضعها السياسي فيها.

فالأردن الرسمي يملك مقاربة بعيدة عن هذه المعادلات، يهدف من خلالها إعادة التوازن للإقليم، وتحويل سوريا من أرض يتحارب الجميع فيها وحولها للسيطرة عليها، إلى دولة عربية تحتاج مساعدة لإعادة بنائها على مختلف المستويات، لتكون معادلة إعادة البناء والتنمية هي الحل، مع الأخذ بالاعتبار مصالح الشعب السوري داخل سوريا وخارجها، وربما وفق تغيرات ملموسة في المعادلة السورية ومراكز القوى والنفوذ.

قد يرى البعض أن الأردن سيكون مدفوعاً بمصالحه الاقتصادية المحتملة في هذا الملف، ولكن ذلك، وإن وجد، لن يكون هو العامل الوحيد، فالأردن الرسمي يرى أن المنطقة العربية تحتاج إلى إعادة تماسك، وإعادة تعريف لمفهوم الأمن القومي على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية.

وهذا ما يقودنا للملف الثالث الذي سيتم طرحه على طاولة النقاش، وهو ملف جديد ولكنه قد يكون زورق النجاة للمنطقة العربية في إقليم الشرق الأوسط، وهو ملف تحالف الشام الجديد، هذا الملف الذي يبدو أنه تحالف اقتصادي، ولكنه في عمقه نواة سياسية اقتصادية لمشروع أكبر، سيغير توازنات القوى في الإقليم.

التعامل الإيجابي أميركياً مع هذا التحالف حتى الآن يعد إشارة إيجابية ولكنها غير كافية، حيث يحتاج هذا التحالف إلى فترة أمان من تدخلات بعض الدول الإقليمية التي قد تستشعر التهديد من هذا التحالف، سواء لأنه سيحول هذه المنطقة من مناطق نفوذ إلى لاعب إقليمي، أو لأن ظهور هذا التحالف سيخطف من بعض الدول أدواراً إقليمية سعت تلك الدول إلى لعبها، مما أدخل المنطقة في أتون نار بدلاً من تحقيق استقرار للمنطقة.

دخول جلالة الملك إلى البيت الأبيض هذا اليوم سيكون دخول منتصر مكلل بالغار، وستكون السنوات الأربع الماضية من العلاقات الأردنية الأميركية جزءاً من الماضي، ولكنها لن تغادر الذاكرة السياسية الأردنية، وما أن يتصافح الزعيمان ستكون لقطة يسجلها التاريخ، حيث استطاع الملك بحكمته العبور من تحت سيوف خصومه، ليلتقطوا صورته وكأنه يقول: الحكمة ورجاحة العقل ينتصران في النهاية.