لقد اعتدنا دائما ومنذ عقود في زمن الراحل الكبير جلالة الملك الحسين رحمه الله، وإلى يومنا هذا في عهد جلالة الملك عبد الله، أن يكون لقاء جلالته على سلم أولويات أي رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية. والحقيقة أن هذه اللقاءات لا تتعلق فقط بالعلاقات الثنائية بين البلدين, فكما نعلم أن البلدين يرتبطان بعلاقات تاريخية منذ ما يقارب السبعين عاما. ويعتبر الأردن أحد أهم الحلفاء للولايات المتحدة، ويتمتع بعلاقات إقتصادية وسياسية, ويتلقى مساعدات إقتصادية وعسكرية ثابتة, تشكل داعما مهما لاستقرار المملكة وتمكنه من مواجهة ?لتحديات التي تشهدها المنطقة.
لقد كنت تحدثت في مقال سابق عن فترة من البرود في العلاقات الأميركية الأردنية، سببه الإرث الكبير من المشاكل التي تولدت في عهد الرئيس السابق ترمب. ولقد كان للأردن حصة الأسد من الآثار السلبية الناجمة عن القرارات التي اتخذت في تلك الحقبة, بعد الإعتراف بالقدس عاصمة (لإسرائيل)، وكذلك مشروع ما يعرف (بصفقة القرن) التي يمكن اختصارها بما يعرف بالحل الاقتصادي للقضية..
لقد تعرض جلالة الملك لضغوط ذات أبعاد سياسية واقتصادية كبيرة, للقبول بهذه الصفقة, وكذلك إغراءات مالية لدعم الأردن, ولكن جلالة الملك كان موقفه ثابتاً، وواضحاً في رفضه لجميع الضغوط. وقد صرح بذلك علانية، معلنا أن الحل الوحيد للقضية, يكمن في الحلول الجذرية, للصراع المتمثل بعودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وبالعودة إلى لقاء جلالة الملك مع الرئيس بايدن, وبعيداً عن البروتوكولات والمراسم الشكلية, فإن جلالة الملك يحظى باحترام كبير, بسبب سياسته المعتدلة والمتزنة والواضحة, وهو محط احترام وتقدير كافة الإدارات السا?قة للولايات المتحدة الأميركية, وما زال ينظر إلى جلالته باحترام الصديق الحكيم, الأقدر على التعبير عن قضايا المنطقة..
اللقاء الذي سيعقد اليوم في البيت الأبيض سوف يكون محط اهتمام وسائل الإعلام الأميركية والعالمية والعربية، فهناك العديد من الملفات المعقدة، التي سوف توضع على طاولة المفاوضات والتشاور بين الدولتين، لا سيما أن المنطقة العربية تشهد تغيرات مهمة وشائكة، من أهمها: ملف القضية الفلسطينية, ومقدساتها والعودة بها إلى المسار الصحيح.
الأردن اليوم أصبح في حال لا يحسد عليها، فهو مُحاط من كافة حدوده بصراعات ونزاعات داخلية ودولية، فكما نعلم فإن الأراضي السورية بعد سنوات الحرب الطويلة, أصبحت مُنطلقا للعديد من الجماعات المتطرفة الإرهابية، وكذلك منطقة نفوذ روسي إيراني, وما يتبعها من ميلشيات، وحتى في العراق ما زالت الأمور غير مستقرة، فالنفوذ الإيراني كبير ومتزايد، وكذلك الوضع في لبنان, وما يعيشه من أزمة سياسية اقتصادية خانقة.
وبعيدا عن الملف السياسي للمنطقة، فكما نعلم فإن الأوضاع الداخلية في الأردن وما يعانيه من أزمة إقتصادية خانقة، وكذلك ملف اللاجئين وملف كورونا, ستكون حاضرة بقوة في (قمة اليوم) التاريخية، كما أن ملف الإصلاحات السياسية والإقتصادية التي بادر بها جلالة الملك منذ فترة, سوف تكون أيضا محط اهتمام الرئيس الأميركي، فكما نعلم فإن الديمقراطيين يهتمون كثيرا بملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، والأردن يعتبر من الدول المعتدلة, التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المضمار..
الملك سيحمل اليوم رسالة كل العرب في لقائه مع الرئيس الأميركي، لإيمانه العميق بأحقية الأمة العربية بتحقيق حالة وجودية وحضارية على مستوى العالم..
مستشار وأستاذ القانون الدولي العام
مواضيع ذات صلة