كتاب

حكومة الكتل النيابية بين النظرية والتطبيق (2)

كنت في مقالي السابق قد تحدثت عن الرغبة الملكية الجادة في الوصول الى حكومات برلمانية, وذلك من خلال ما يسمى (بالكتل البرلمانية). ولقد طرحت العديد من الأسئلة حول مدى نجاعة هذه التجربة, وفي الحقيقة أنا لست بصدد إصدار أحكام مسبقة على مدى نجاح هذه الفكرة, ولكن ومن باب الحرص أود أن أوضح بعض الحقائق المهمة, حتى لا نقع في المحظور مستقبلا، فالنظرية محكومة دائما بصحة التطبيق.

إن الحكومات البرلمانية تشكل بالعادة عندما تُنتخب الغالبية العظمى من النواب, من الأحزاب السياسية التي لها قواعد شعبية واسعة, تمكنها من إيصال أكبر عدد من المرشحين الى المجلس. وبطبيعة الحال تمتلك تلك الأحزاب برامج سياسية واقتصادية واجتماعية, ذات ميول أيدلوجي فكري, ما بين أقصى اليمين الى اقصى اليسار, وفي كثير من الأحيان, ولغاية الوصول الى السلطة, يتم هناك ما يسمى بالإئتلافات بين الكتل, لتشكيل حكومة تستند الى أغلبية برلمانية, وبطبيعة الحال فإن كافة الكتل الأخرى في البرلمان, تصبح بالضرورة معارضة سياسية, تتحين ال?رصة لإسقاط هذا الإئتلاف لتشكيل حكومة بديلة, وهذا ما يسمى ب(اللعبة السياسية) في الدول التي تشكل فيها الحكومات البرلمانية. في المقابل وكما نعلم جميعا أن الأحزاب وحتى القوى السياسية بالمفهوم العام في الأردن, ومهما خرجنا بقانون إنتخاب جديد, لن تتمكن تلك القوى من الحصول إلا على أعداد قليلة من النواب في البرلمان, في ظل هيمنة وقدرة المرشحين المستقلين من الحصول على أصوات أكثر, بفضل قواعدهم الإجتماعية والعشائرية. والمشكلة الأكبر كما ذكرت في مقالي السابق, أن تشكيل حكومة في ظل هذه المعطيات من قبل الكتل البرلمانية سوف?يؤدي لا محالة إلى مشاكل قانونية, ونزاعات بين أعضاء المجلس ورغبة الجميع بالمشاركة في الحكومة, وكذلك سوف نجد أنفسنا نقف أمام حالة فريدة من نماذج الحكومات البرلمانية الضعيفة, لكونها غير مبنية على قواعد حزبية وبرامجية, بل على تكتلات هلامية لا تملك برامج تحكمها المصالح والأطماع, وبالتالي من السهل تفككها وتقلصها, وقد تؤدي اية تحالفات جديدة للإطاحة بالحكومة, لأن مفهوم العلاقة بين الكتل ذات الأغلبية والأقلية غير ثابت ومتحرك, وكذلك مفهوم المعارضة السياسية البرامجية غير متوفر, أو غير واضح المعالم. وأعتقد أن هناك إجم?عا لدى كافة الأردنيين, بإبقاء الفصل بين عضوية النيابة وعضوية الحكومة, وأن يبقى إختيار رئيس الوزراء من قبل جلالة الملك, والوزراء من قبل الرئيس المكلف كما هو معمول به الآن. أما فيما يتعلق برفع سوية وكفاءة المجلس, فهذا مرتبط بقانون الإنتخاب المرتقب إعداده من قبل لجنة الإصلاح السياسي الذي لا بد من أن تكون قادرة على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الإنتخاب, وبالتالي في القرار السياسي, وتوفير ميزات تمكن القوى الحزبية والسياسية من الوصول الى قبة المجلس, وهذا يحتاج الى جهد ووقت وعمل دؤوب.

المستشار واستاذ القانون الدولي العام