التراكم الذي أنجزه الواقع الفلسطيني ما قبل الحادي والعشرين من أيار، ليس كما بعد وذلك نتيجة طبيعية للاتصالات المتراكمة التي حققتها المقاومة الفلسطينية الشعبية منها والعسكرية، فقواعد الاشتباك الجديدة التي أسستها هذه المقاومة قد أربكت كل مرتكزات الاستراتيجية التخطيطية والممنهجة لدى الكيان الصهيوني، فحجم المكتسبات الفلسطينية من المواجهة الأخيرة لا يتمترس فقط في بعده العسكري الرائع والذي ترجمه على صعيد مباشر الرد على الكيان الصهيوني في عمق دولته المزعومة بضرب عاصمته تل أبيب، وبتجاوز رائع لتكتيك عسكري اتبع سياسة الدفعات المتجددة بما تمتلكه الترسانة العسكرية للمقاومة الفلسطينية في «القطاع» والتي اتبعت تكتيكاً عسكرياً أذهل الكيان الصهيوني بأن الدفعات الاولى من الصواريخ كانت من أرشيف صواريخ المقاومة، والتي تقترب من انتهاء صلاحيتها التدميرية ملحقة بذلك الصواريخ الحديثة.
هذه الاستراتيجة العسكرية أجهضت «القبة الحديدية» ذلك أنها تصدت لتلك الصواريخ المقتربة من الانتهاء الصلاحية، ولم تستطع أن تتصدى للصواريخ الحديثة، وذات القوة التدميرية الكبيرة.
إذن هذا التكتيك العسكري قد أجبر الكيان الصهيوني من خلال تخبطه العسكري إلى إسقاط الصواريخ الأولية المنتهية الصلاحية دون معرفة بأن الدفعات المتتالية للصواريخ الحديثة قد جعلت من تلك الصواريخ أكباش فداء بجدلية من القديم أولاً والحديث ثانياً، وهو ما جعل الكيان الصهيوني وبعد انتهاء المعارك من اللجوء إلى واشنطن لطلب مليار دولار لتحسين القبة الحديدية التي فوجئت بتكتيك المقاومة الفلسطينية القائمة على الدفعات الأولية للإسقاط تمهيداً لدفعات التالية بعد استنزاف مجهود وفعالية القبة الحديدية الصهيونية المزعومة.
هذا البعد العسكري قد أوقف مراكز الدراسات الاستراتيجية العسكرية للكيان الصهيوني ومرتكز الدراسات العسكرية الدولية إلى اعتبار أن النتيجة المباشرة لهذه المواجهة كانت انتصاراً للمقاومة الفلسطينية العسكرية في التكتيك والأدوات.
أما الجانب الآخر من ذلك الانتصار فتتمثل في المواجهة الكلية الفلسطينية، وأعني بالكلية الكل الفلسطيني أينما وجد وقدرت ذلك الكلي بتوظيف الاخاء الصهيونية الاستراتيجية وخسارتها معركة الإعلام الدولي، والذي تجلى بدعم غير مسبوق من قبل الراي العام الغربي والاوروبي والعالمي للقضية الفلسطينية بتوظيف خلاق لإعلام التواصل الاجتماعي وبروز السؤال الكبير لماذا لم يرض الاردن بأن يكون وسيطاً شعبياً ورسمياً وابدى استعداداً كلياً لرفع مستوى المواجهه لحدود لا يمكن أن تحمد عقباها مما أجبر الولايات المتحدة الأميركية على التدخل المباشر في السياق الدبلوماسي وغيب الدول غير المؤثرة والتي كانت قد اعلنت انها ستلعب دوراً محوريا في القضية الفلسطينية وانهاء المعاناه من خلال التطبيع وهو ما أفرز نتيجة طبيعية بأن العامل الحسم في حل الصراع الفلسطيني العربي يكمن دائماً وأبداً من خلال فهم صلابة الموقف الأردني الداعم غير المشروط للشعب العربي الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته على فلسطين التاريخية كاستراتيجية خارجة عن أبعاد فن الممكن السياسي.