لم تتوقف جهود الأردن منذ بداية الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية في المسجد الأقصى المبارك، بداية رمضان وحتى اليوم، فقد كان الموقف الأردني الأكثر تأثيراً وفاعلية على صعيد ملف القدس، انطلاقاً من مكانة الأردن كراعي للمقدسات ويديرها مباشرة من وزارة الاوقاف، والأهم الوصاية الهاشمية ممثلة بجلالة الملك بصفته صاحب الولاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس.
فالأردن لم يُبدّل أو يُغير موقفه من هذه القضية، ولو بكنوز الدنيا، وقد خاض حروباً كثيرة من أجل القدس وفلسطين، كما إنغمس في المسار السلمي منذ بدء محادثات السلام العربية الاسرائيلية في مدريد مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولعل التطورات الاخيرة على صعيد التصعيد العسكري، والمحاولات الاسرائيلية للسيطرة على المقدسات، أثبتت أن الاردن لا يوفر اية جهود أو تحركات سياسية او دبلوماسية من أجل إعادة الامور الى نصابها الصحيح، ومنع تغيير الاوضاع في القدس خدمة لأهداف اسرائيل.
على مدى العقود الخمسة الاخيرة بقي الموقف الاردني معضلة لقادة الكيان المحتل، الذي يقوده اليمين الصهيوني المتطرف، وكم من محاولات بُذلت من أجل إضعاف الموقف الاردني، أو تهميشه لكن الروابط التاريخية الوثيقة والتنسيق الذي لا ينقطع فوّت الفرصة على الاحتلال، وقد توّج هذا التنسيق في شهر اذار من عام 2013،عندما وقع جلالة الملك والرئيس الفلسطيني إتفاقية تؤول فيها الوصاية على الاماكن المقدسة في القدس الى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، بما في ذلك بطريركية الروم الارثوذكس المقدسية التي تخضع للقانون الاردني رقم 27?لسنة 1958، وذلك إنطلاقاً من العروى الوثقى بين أبناء الامة جميعاً والمكانة الخاصة للقدس عند العرب والمسلمين.
ما يحدث اليوم من غياب للثقة بين الاطراف، نتيجة الوضع المتدهور سواء في القدس أو في غزة، وحتى الداخل الاسرائيلي، يستدعي تحركاً عاجلاً من أجل منع تدهور الامور مجدداً على الارض، لترجمة وقف إطلاق النار «الهش»، في الاراضي المحتلة، وهو ما أكد عليه جلالة الملك امس خلال لقائه رئيس مجلس الاعيان وعدداً من رؤساء اللجان بالمجلس، خصوصاً وأن تجاهل أو تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، خلال السنوات الاخيرة، أوصل المنطقة لمثل هذه المآزق التي تنذر بكارثة إنسانية العالم في غِنى عنها، خصوصاً مع الأنشغال بمواجهة وباء «كورونا »?الذي أربك العالم أجمع.
المقلق في الموضوع، الانجرار المتواصل خلف الاصوات المتطرفة التي تدعو لإستمرار الهجمة على المسجد الاقصى المبارك، وإنتهاك حرمته وإقتحامه المتواصل، وظهور دعوات لـ'جماعات الهيكل» تدعو «لهدم الأقصى»، وهي مطالب خطيرة ستقود المنطقة إلى حروب وصراعات، الجميع في غنى عنها، فالأصل أن يكون التحرك الدولي الآن الدفع بإتجاه حل سياسي لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم في نهاية المطاف.
المتتبع لتحركات الاردن الذي يرمي بكل ثقله السياسي والدبلوماسي بكافة مستوياته، يلحظ حجم الجهد المبذول لتدارك الوضع ومنع تدهور الاوضاع مجدداً، ووقف الاستفزازات الاسرائيلية للمقدسيين، وتحدي الارادة الدولية بهذا الخصوص، التي عملت ليل نهار من أجل وقف الحرب على غزة، وأصبح ضرورياً أن تكون تحركات المجتمع الدولي قائمة على أساس إحترام الوصاية الهاشمية على المقدسات، وإحترام خصوصية ومكانة المدينة المقدسة، ومنع المساس بالهوية العربية الاسلامية لها، وإحترام أهميتها التاريخية والثقافية والمعمارية، والانخراط بالحل السلمي ?لقضية، وبغير ذلك ستبقى كل الجهود تراوح مكانها، والوضع قابل للانفجار مجدداً في أي لحظة.
مواضيع ذات صلة