خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

الهارِفون والعارِفون

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. أحمد يعقوب المجدوبة يُعرِّف المُعجم «الهارف» بأنه «فاعلٌ من هَرَفَ». و"هَرَفَ الشخص» يعني «هذَى وخلَط في الكلام». والمَثلُ المعروف يُوضّح المقصود تماماً: «يَهرِف بما لا يَعرِف.» بمعنى أنه الشخص الذي يتحدث في الأمور التي لا يعرف فيها؛ أي أنه مدّعي المعرفة. «يهذي».

أما «العارف» فليس بحاجة إلى شرح، فهو الشخص المُلّم بالأمر، يَعي تماماً ما يقول، ويبني ما يقول على معلومة دقيقة ورأي مدروس وحقيقة راسخة؛ أو يُخبرك أنّ هذا هو رأيه الشخصي، وأنه قد يكون مصيباً أو مخطئاً. بعكس الهارف الذي يُقدّم لك رأياً انطباعياً سطحياً قد يكون خاطئاً على أنّه حقيقة لا يُشقّ لها غبار.

المشكلة تكمن في الأول، فمن ينتمون إلى هذا الصنف كثروا هذه الأيام، والسبب أنّ وسائل التواصل متاحة لهم بيسر وعلى مدار الساعة، دون وجود ضمير، أو رقيب أو حسيب، ذاتي أو خارجي؛ أو دون وجود آليّة تَحقّق من صحّة ودقة ما يقولون، تُفيدهم هم أولاً وتفيد مستمعيهم أو قارئيهم.

يكتب أو يتحدث بسهولة وتلقائية وبما يجول بخاطره دون تفكير أو تمحيص أو مراجعة. فيأتي معظم ما يقال على شكل هواجس وانطباعات وعُقَد وأنصاف حقائق وتعميمات جارفة ومُغالطات.

أما العارف فلا يتحدث أو يكتب إلاّ بعناية فائقة وبعد مراجعة وتمحيص وأحياناً استشارة الآخرين، و"ما خاب من استشار».

ليس في الأبحاث العلمية حَسب، بل في الدراسات والمقالات الرصينة، وحتى المقابلات العميقة، تُعرض الأفكار – بعد قراءة كل الأدبيات المتعلقة بها وتوثيقها – قبل نشرها على مُحكّمين أو أقران أو زملاء للوقوف على رأيهم فيها، ثم تُراجع في ضوء التغذية الراجعة ثم تنشر أو تشارك مع الآخرين. فتكون دقيقة رصينة مفيدة.

قبل عقدين من الزمن، كان ما يُقال أو يُكتب في المنابر الرسمية يخضع لمعايير المهنية والمصداقية. فمن يُقدِّم مقالة للنشر في صحيفة يقرأا بعناية مُحرر أو أكثر للوقوف على سلامة ودقة ما يقال: لغةً وفكرة ومهنية. وكان لا يجد طريقه للنشر إلا ما يحترِم عقل القارئ وفنون الكتابة وعلومها وأصول الخطاب.

الأمر جدّ مختلف اليوم حتى في العديد من الصحف، والإلكترونية منها بالذات، والتي تنشر ما هبّ ودبّ. ونفس الأمر ينسحب على العديد من محطات التلفزة والتي تتسابق لنشر ليس الدقيق والمهني، بل الإثاريّ والإشكاليّ والمُستفِزّ.

والإشكال الأكبر يكمن في «وسائل التواصل» والتي يكون المرسل فيها هو الكاتب والمُحكِّم والمحرر والمالك، فيجيز لنفسه ما يشاء ومتى يشاء؛ أول همّه النشر على عواهنه، وآخر همة الدقة أو الفائدة. «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم».

حقيقتان مؤرقتان في هذا السياق، لهما أبعاد سلبية هدمية:

أولاّ، في معظم الأحيان المتلقي ليس أحسن حالاً من المُرِسل؛ فالتواصل هنا بين هارِفٍ وهارِف. فالأخير يتلقى ويتلقّف الهذيان ويشاركه دون أدنى تفكيرٍ فيه، وكأنه كلام من ذهب، فيمتلأ فضاؤنا فوضى وهذياناً وهَرَفاً.

ثانياً، الحقيقة المرة أنّ الهارفين في مجتمعنا، والمجتمعات الإنسانية عموماً، أكثر من العارفين. فالهارفون كُثر وأصواتهم عالية؛ والعارفون قلّة خجولة.

فيا ويحنا!
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF