كتاب

الملك وشِيَم الصفح والتسامح

يأتي الصفح الملكي عن المتهمين الـ 16 في قضية الفتنة، إنسجاماً وتأكيداً على النهج الهاشمي القائم على التسامح والعفو عند المقدرة، وهو نهج هاشمي سار على طريقه ملوك بني هاشم منذ عهد الملك المؤسس وإستمر من عهد الى عهد، ليؤكد ان علاقة الهاشميين بأبناء شعبهم علاقة متينة وقوية، مردها الاعتزاز بالنسب الشريف، والقدرة على التسامح مع من يسيء اليهم، والترفع عن الاساءة بمثلها، وهو ما جعل الخصوم حلفاء مخلصين، والمتربصين مؤيدين ومناصرين.

ما حدث بالامس، ليس مستغرباً أو مفاجئاً عندما صفح وسامح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، سليل الدوحة الهاشمية، خصوصاً وان المتهمين المفرج عنهم في الاحداث الاخيرة جرى الافراج عنهم ضمن الاطر والمسوغات القانونية، وهو أمر غير مستغرب وليس جديداً على قائد البلاد، وقد جاء الصفح بعد تم التحقيق معهم وتبين أدوارهم في القضية، كأطراف غُرر بها، أما المتهمان الآخران وهما الدكتور باسم عوض الله والشريف عبد الرحمن حسن بن زيد، استمر التحفظ عليهما والتحرز عليهما لإستكمال التحقيقات والمسارات القانونية الاخرى.

وعوض الله والشريف حسن سيبقيان قيد التوقيف كون افعالهما مختلفة عن بقية المتورطين وهي نابعة وبدوافع تنطلق من قناعاتهما وأنفسهما، كما ان الوقائع المنسوبة اليهما مختلفة، حيث تبين من خلال التحقيقات دورهما في التحشيد والاستفادة من إحياء ذكرى أحداث 24 آذار وبعد حادثة السلط كمنطلق للأعمال التي خُطط لها وزعزعة الاستقرار والامن في البلاد، على ان تُنفذ تباعاً في شهري آذار ونيسان، سيما وان ذروة هذه التحركات بلغت أوجها في وقت كان فيه الاردن يتعرض لحصار وضغوط غير مسبوقة، وكان جلالة الملك يتعرض لحصار سياسي من إدارة ترمب ودول أخرى، بسبب مواقفه المشرفة من القضية الفلسطينية ورفضه العلني لصفقة القرن، وتمسكه بالوصاية الهاشمية على المقدسات، ورفضه نقل السفارة الاميركية للقدس، ورغبة اسرائيل بضم الاغوار.

المعنى أن دورهما كان مركزيا بالتحريض خصوصاً وان الدكتور عوض الله تبوأ مناصب عليا في الدولة، كما ان الشريف حسن بن زيد استفاد من كونه يحمل لقب شريف، ولديهما شبكة علاقات واسعة، كما قاما بدعم الامير حمزة للمضي قدماً في هذا المخطط، والتحريض على الاستمرار فيه، وتقديم المساعدة له من خلال اعادة صياغة الرسائل والتغريدات لتحقيق الغاية التحريضية منها.

اضف الى ذلك، ان المحرك والدافع الرئيسي لكل من عوض الله والشريف حسن كان نابعا منهما ومستقلا عن أي تأثيرات من الامير حمزة بعكس باقي المتورطين الذين إنجروا خلف افعال الامير حمزة، وكان هو المحرك الرئيسي لتلك الافعال وبتوجيه مباشر منه، سعياً وراء ايجاد حاضنة شعبية له، واستثمار وتغذية المشاعر السلبية التي تسود الشارع الاردني منذ نحو أكثر من عام بسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة والحصار الاقتصادي والوباء اللعين «كورونا» ووقف المساعدات العربية، وضعف القدرات الحكومية في تقديم الخدمات للمواطنين، كما ساهما في تقوية عزيمة الامير ودفعه للإستمرار بطريق «الفتنة»، بالتالي فإن التهمة المسندة اليهما لها مسار مختلف، وتم تشكيل قضية منفصلة لهما بعيداً عن بقية المتهمين، من حيث عدم وجود ترابط بين الطرفين.

قضية «الفتنة » التي إنتهت تمثل محطة مهمة يمكن الاستفادة من دروسها وعبرها، سواء لجهة تحديد مسارات المستقبل للمملكة من حيث المزيد من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والادارية، ومواصلة طريق العطاء والانجاز، أو لجهة الترفع الملكي السامي عن مقابلة الاساءة بمثلها، حيث جسد ملوك بني هاشم على مدى مئة عام،وهم أحفاد رسول الرحمة والتسامح والصفح، شرافة النسب الهاشمي فعلاً لا قولاً، ونحن ندخل ايام الرحمة والمغفرة من شهر رمضان المبارك، ودليل قوة لا ضعف على تغليب شيم التسامح كمنهج في التعامل مع الجميع.