الاب رفعت بدر
من خبث الكورونا الثعلبي، أنه فيروس يأتي على حاستين لدى الإنسان: الشم والذوق. والشم هو حاسة استنشاق الرائحة بالأنف. وهنالك طبعاً حساسية من بعض الروائح فتحدث خللاً صحياً لدى الإنسان. وهنالك معنى مجازي للشم وهو الإدراك بالفطنة والتحليل انّ خبراً ما قد حدث أو قد يحدث قريباً.
أما الذوق وهو موضوع حديثي اليوم: فهو بالمعنى الاعتيادي حاسة تمييز الطعم الخاص بكل من المأكولات أو المشروبات المختلفة. وتسهم بعض المواد بإعطاء نكهة وذوق خاصين بالطعام، فيغدو شهياً أكثر، ويستمتع المرء بتناوله برفقة الأحبة وأهل البيت والأصدقاء، ومن تلك المواد الملح الذي يعتبر العامل المشترك الأكبر لإعطاء المذاق الخاص، وهنالك التوابل والبهارات وغيرها، ممّأ يستخدم في الطبخات المتعددة. وتضجّ قنواتنا الإعلامية اليوم أكثر من ذي قبل ببرامج مخصّصة لإعداد الطعام وجعله ملائماً للذائقة البشرية، وفي مختلف المناسبات.
يأتي الكورونا على حاستي الشم والذوق، ويصبح الإنسان كأنه وحيد لا يشم شيئاً ولا شهية في الطعام الذي يُقدم حيث تتشابه أنواع المأكولات مهما كان منظرها شهياً للطعام، لكنّ طعمها متشابه وكأنها جميعاً أصبحت تراباً. ومن علامات الإصابة الفعلية بالفيروس فقدان حاسّة الذوق، كما من علامات التعافي عودة الذوق تدريجياً.
ومن بصمات الكورونا إلى بصمات عصر الكورونا، حيث فقدان الذوق العام أو كما يسمّى بالذوق الرفيع، وهو المعنى الثاني للذوق، وهو يختص بملَكَة التصرف الحسن بكرامة ووقار وهيبة واحترام تجاه النفس وتجاه الآخرين. امّا تجاه النفس فالذوق الرفيع من خلال الاهتمام بالمنظر العام والقدرة على اختيار اللباس المناسب. أمّا تجاه الآخر، فهو ما يُعرف اليوم بلغة الإتيكيت وحسن التصرف باحترام وفي مختلف ظروف الحياة. وأصبح الإتيكيت علماً قائماً ولدينا العديد من المختصين به والذين يمطروننا يومياً بنصائحهم على الشاشات وفي مواقع التواصل، وصار مديحنا لأي شخص انّ عنده «ذوقا»، أما انتقادنا له فلانعدام «الذوق لديه». وقيل الذوق الرفيع او الذوق السليم أو الذوق العام. وكلها تدل على حسن تصرف الإنسان في تعامله مع أخوته البشر.
ولعصر الكورونا إتيكيت خاص وبروتوكولات وذوق عام اجباري، ويتمثل بالطاعة الكاملة لقواعد السلامة، ذلك أن الإخلال بها سيؤدي إلى ليس حرج اجتماعي كما الإتيكيت العادي، وإنما إلى قتل متعمّد للأرواح. ويتمثّل الذوق العام في هذا الزمان بعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة، وارتداء الكمامات بشكل دائم، وغسل اليدين وتعقيمهما، والاعتذار عن الواجبات الإجتماعية الوجاهية، والالتزام بالحظر المنزلي ما دام المرء مصابًا لا سمح الله، أو حتى مخالطاً، والإقبال على الفحوصات في حالة أي شك بوجود إصابة، هذا فضلا عن التباعد الجسدي في الاماكن العامة وفي بيوت العبادة وغيرها.. فليت الذوق الأخلاقي الرفيع يكون سنّتنا الحميدة في هذا الزمان العصيب، إلى أن تعبر الغمّة والغيمة بإذن الله عن صدر البشرية، فيعود للحياة رائحتها الزكية التي نشتمّها بفرح ومذاقها العذب المملّح ببراعة. وعندئذ، وكما يكتب الأصدقاء على صفحاتهم الالكترونية: «ستعود الحياة إلى الحياة».
[email protected]