د. حسام باسم حداد
مع التطور السريع الذي يشهده العالم والمرتبط بالثورة الصناعية الرابعة وما يتعلق بها من الأتمتة المدفوعة بتعلم الآلة والذكاء الاصطناعي المنوطة بإحلال الآلات والخوارزميات محل المهام التي تؤديها العمالة البشرية. تقف الاقتصادات العالمية عند مفترق طرق وقد ساهمت الأتمتة والذكاء الاصطناعي في تراجع النمو المشترك إلى جانب العولمة وتراجع قوة العمل مقارنة برأس المال. حيث تعتبر زيادة عدم المساواة في بلدان العالم الصناعي من المشكلات الناشئة المتعلقة بالنمو الاقتصادي مما أدى لاختفاء الوظائف ذات الدخل المرتفع وانخفاض الأجور الحقيقية للعمالة الأقل تعلماً وتوسيع الفجوة للنمو غير المشترك.
تعتبر الأتمتة محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي حيث دعمت الآلات الغزل والنسيج إبان نشوء الثورة الصناعية واليوم فإن التحدي مرهون بالاثار السلبية المحتملة عبر الاعتماد على تكنولوجيات أخرى تلك التي تزيد من إنتاجية البشر وتقلل من فرص العمل. ويمكن للمنصات التكنولوجية والتطبيقات المتنوعة والامكانات الهائلة أن تساعد في رسم المستقبل الاقتصادي في زيادة الإنتاج والدخول في مهام واختصاصات بشرية جديدة كالتعليم والرعاية الصحية والهندسة والتصنيع وغيرها إلا أنه يُعاب عليها بأنها قد تؤدي لزيادة حدة فقدان الوظائف والاضطرابات الاقتصادية اذا اقتصر استخدامها على أغراض الأتمتة. ومما لا شك فيه فإن الجائحة أعطت الشركات والمؤسسات مسوغا آخر للبحث عن طرق جديدة لإحلال الآلات عوض العمالة.
إن المقياس الرئيسي الذي يتم اعتماده هو قياس أداء الإنتاج في فترة زمنية محددة حيث يعبرعن مدى كفاءة استخدام موارد رأس المال البشري والمادي. ورغم أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد شهدت تقدماً سريعاً ويجري تطبيقها في كل القطاعات الاقتصادية، فإن الصناعات التي تعتمد بشكل أكثر كثافة على هذه التكنولوجيات لم تحقق أداء أفضل من حيث الانتاجية الكلية لعوامل الانتاج أو الناتج أو التوظيف. وتعتبر أسباب التباطؤ في نمو الانتاجية مبهمة وغير مفهومة نظراً لأن العديد من تكنولوجيات الأتمتة مثل أكشاك الدفع الذاتي أو خدمة العملاء الآلية لا تحقق قدراً كبيراً من النمو في الانتاجية الكلية لعوامل الانتاج. وبدلاً من تحقيق مكاسب الانتاجية كانت الآتمتة مفرطة ذلك لأن الشركات تطبق تكنولوجيات الأتمتة إلى حد يتجاوز ما يتطلبه تخفيض تكاليف الإنتاج، أو لأن هذه التكنولوجيات لها تكاليف اجتماعية وتؤدي إلى إنخفاض معدلات التوظيف وأجور العمالة. ومن جانب آخر، فإن الأتمتة المفرطة أيضاً تعد سبباً من أسباب تباطؤ نمو الإنتاجية لأن قرارات الأتمتة لا تقلل التكاليف فقد تتسبب في فقدان الشركات لمكاسب الإنتاجية من المهام الجديدة والأشكال التنظيمية الجديدة والاكتشافات التكنولوجية المكملة وبدرجة كبيرة للعنصر البشري. لذا يتوجب على الحكومات توجيه التكنولوجيا بشكل فعال عبر تسخير الذكاء الاصطناعي وتوجيهه على نحو سليم من خلال السياسات الحكومية بما يساهم في إعادة النمو المشترك.
[email protected]