مع حادثة السلط يمكن القول بأن الأخطاء المتراكمة جعلتنا في وضع يتعذر معه الانتظار لإنجاز عملية إصلاح بشروط البنية التقليدية للمؤسسات القائمة، فالواقعة الأليمة أتت نتيجة لسياسات ترحيل المشكلات، وللاجتهاد في نصوص تكليف واضحة والاستغراق في استهلاك الوقت تحت حجج القوانين واللوائح والإجراءات، وأخيراً جاءت الكورونا لتجد مكانها في قائمة الحجج والأعذار الجاهزة لكثير من المسؤولين غير المقتنعين بالتغيير والذين يشايعونه في العلن ويتملصون منه ويناورون حوله في الكواليس، والضوء الساطع الذي أضاءته أرواح الشهداء الزكية في السلط يمثل لحظة الحقيقة التي استيقظ الأردن على وقعها صباح أمس والتي تحتاج منا إلى استجماع النفس والمباشرة في تدارس الموقف بكل مصارحة ومكاشفة وجرأة في الطرح.
خلال ساعات قليلة، وفي ظروف متوترة، كان الملك في مستشفى السلط، وطرح مجموعة من الأسئلة الاستنكارية وانتفضت الحكومة بعد ذلك وتحملت المسؤولية كاملة، وتبين لاحقاً أن المشكلة لم تكن بدأت بصورة مفاجئة، وأن مقدماتها كانت واضحة، ولذلك يتوقع أن تتوالى القرارات خلال الأيام المقبلة، وأن تجد القرارات من يعارضها ومن يحاول تجنبها، فالمسألة، ولنكن على ما يلزم من صراحة وجرأة، أن هاجس المحاصصات والتحالفات السياسية كان حاضراً على الدوام في تفكير الحكومات، وأن الاسترضاء والمناكفة كانا الفاعلين السياسيين الحاضرين خلال السنوات القليلة الأخيرة.
كان التوجيه الملكي للحكومات يقتضي بأن تعمل على إنجاز إصلاح سياسي متسارع، للدرجة التي دفعت الملك بأن يعفي رئيس الوزراء من مهمة ومسؤولية اختيار رؤساء الأجهزة الأمنية بموجب تعديل دستوري كان من شأنه أن يؤهل الأردن لتجربة أولية للحكومات النيابية في مرحلة انتقالية مدروسة تتسق مع الأوراق النقاشية الملكية، وتباطأت الحكومات في قانون الأحزاب لتمرر نفس المجالس النيابية التي تستطيع أن تتعامل معها، وعطلت الكورونا التقدم في الإصلاح الذي كان يستهدف أن يتم وضع آليات لتشجيع الاستثمار لحل مشكلتي الفقر والبطالة، ومن يعتقد أن الحكومات في الأردن فاقدة للولاية عليه فقط أن يتأمل في الملف الاستثماري ليدرك أن موظفاً صغيراً يمكنه أن يعطل استثمارات كبيرة من غير مبرر حقيقي، وعندما تحدث الضغوطات لتصحيح الوضع الخاطئ يتم الحديث عن الولاية والاختباء وراءها.
الناس تعدت الشعور بالضجر من هذه البيئة السياسية، والثورة البيضاء ليست مطلباً جديداً، فالملك أعلن عن ملامحها في خطاب العرش 2013، وأخذ المرتجفون من الثورة يعملون على توهين عزيمة الأردنيين، وبث نزعة من السلبية بين صفوفهم، وإثنائهم عن تلبية دعوة الملك بالضغط من الأسفل.
يريد الأردنيون تغييراً جذرياً وعميقاً، وأن تُسحَب الحصانة من أي فاسد أو مقصر أو مهمل، أياً كانت تلك الحصانة، فاليوم لدينا أجيال صاعدة من الأردنيين في كل المجالات، وليس الأردن مضطراً لأن يفكر بمن اعتبروا أنفسهم ثوابت في مؤسساته، فالثوابت في الأردن ستبقى كما ينادي أبناء الجيش العربي في كل صباح «الله.. الوطن.. الملك» وغير ذلك، فالأردن لديه البدائل والخيارات والإمكانيات.
مواضيع ذات صلة