خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

من وحي المئوية (5) القطاع العام والقطاع الخاص (الجزء الثاني)

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. جواد العناني سافرت عام 1978، بمعيّة سمو الأمير الحسن إلى المملكة المتحدة واشتمل الجدول على لقاء مع زعيمة حزب المحافظين المعارضة. وحضرت السيدة مارغريت ثاتشر اللقاء، واستمَعَتْ بانتباه شديد إلى شرح سمو الأمير عن القضية الفلسطينية، والقدس وانتشار المستعمرات في مختلف المناطق في الضفة الغربية، وتساءلت عن الأوضاع الاقتصادية في الأردن، فقدم لها الأمير شرحاً عن الخطة الخمسية التي أُقرت عام 1976 في مؤتمر دولي عُقد في عمّان تحت رعاية الراحل جلالة الملك الحسين.

وبعد ذلك بأشهر قليلة، جرت انتخابات برلمانية في المملكة المتحدة، وفازت السيدة تاتشر، وصارت رئيسة للوزراء، وتحولت تلك المرأة الوديعة التي قابلتُها قبل أشهر إلى المرأة الحديدية. لقد طغى على فكرها آنذاك أن حزب العمال قد أمّمَ الكثير من الخدمات العامة، ودعم كثيراً من المشروعات التعدينية والصناعية الخاسرة، وراعى العمال إلى حدود فاقت قدرة الاقتصاد البريطاني على التحمل. وخاضت معركة حامية الوطيس مع نقابة عمال المناجم لاغلاق مناجم القصدير. ونجحت وتغلبت على إضراب شامل للعاملين في قطاع الصحة. وخصخصت المياه والاتصالات في بريطانيا.

ولما فاز رونالد ريغان في الانتخابات الرئاسية عام 1980، تقوّت السيدة ثاتشر به، وتحالف الاثنان وتشابها في وسائل التفكير الاقتصادي القائم على المفاهيم الكلاسيكية التي دعا إليها آدم سميث وريكاردو جون ستيورات ميل وغيرهم، وظهرت إلى العالم مدرستان تشكلان وجهين لعملة واحدة، وهي «الثاتشرية» في المملكة المتحدة و «الريجانية» في الولايات المتحدة. وقد قام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتبني هذا النموذج الاقتصادي، الذي يدعو إلى تخفيف دور الحكومات، والخصخصة، وحل مشكلة المديونية السيادية التي أرّقت الحكومات في معظم الدول النامية.

أما نحن في الأردن، فقد كان وضعنا الاقتصادي خلال السنوات 1976-1983 ممتازاً لقد عانينا من ارتفاع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة نتيجة لارتفاع كلّف الانتاج في العالم، ولكن الاقتصاد الاردني بالرغم من ذلك كان يحقق معدلات نمو بالارقام الحقيقة تقارب 8% أو أكثر. وبسبب زيادة الاستثمارات المحلية، وقيام الحكومة ببناء عشرات المشاريع من بنى تحتية وفوقية، وانطلاق حركة البناء والإعمار، ونقص العمالة في الأسواق بسبب الهجرة إلى دول الخليج، فقد شهد الاقتصاد الاردني نسب بطالة متدنية لا تتجاوز (1.5%) معظمها بطالة مؤقتة ناتجة عن المدة الفاصلة بين التخرج والالتحاق بالعمل، أو عن التنقل من وظيفة إلى أخرى، وهي ما تسمى بالبطالة الاحتكاكية.

وبسبب قدرة الحكومة على الإنفاق، وتوفر التمويل لها عن طريق الضرائب والرسوم، والمساعدات العربية، والقروض الميسرة، هيمنت الحكومة على مسيرة الاقتصاد، وتوسع دورها مباشرة عن طريق الخزينة، أو عبر مؤسسات الاقراض المتخصصة وغيرها، وزادت الحكومة الأجور. ولذلك، كبر دور الحكومة واستثماراتها في السوق، وتدخلها عبر وزارة التموين في تحديد الإسعار.

وبسبب هجرة العقول والكفاءات، صارت الحكومة تعين كل من يتقدم بطلب عمل إليها. ولذلك حصل تنازل كبير عن الشروط المطلوبة للعمل العام. وبسبب ارتفاع نسبة التقلب في العمالة. فقد امتلأت الشواغر بموظفين أقل معرفة وكفاءة وخبرة. وهذا التطور أثر بشكل كبير على أداء الحكومة في السنوات اللاحقة حينما ترقى هؤلاء إلى المناصب الإدارية العليا وصاروا يحرمون الكفاءات منذ عام 1986 من العمل أو الترقية خوفاً على مناصبهم.

ولا ننسى أيضاً أن مؤتمر قمة بغداد عام 1979 خصص للأردن بصفته دولة مقاومة مساعدات بقيمة سنوية قدرها (1.25) مليار دولار. وكذلك أقرت قمة عمان العربية العام 1980 وثيقتين هامتين هما: «عقد التنمية العربي» والذي أكدت حصول الأردن على تلك المساعدات طيلة عقد الثمانينات، ووثيقة » استراتيجية التنمية العربية» التي دعت إلى التعاون العربي، وبناء مشروعات استراتيجية مشتركة.

وَمِمَّا زاد من حركة النشاط التجاري والمالي والاستثماري في الأردن كان اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وقد اعتمد العراق كثيراً على بوابة الأردن ومعابره وطرقه ومينائه لتزويد العراق بحاجاته الاساسية من سلع وخدمات. وقد تعاملت الحكومة العراقية آنذاك مع كثير من الصناعات والخدمات متوسطة الحجم. وبسبب زيادة الطلب على الشحن البري، ساهم كثير من المواطنين في شراء شاحنات للنقل من العقبة إلى العراق، وهذا إلى جانب شركة النقل البري العراقية الاردنية والمملوكة للقطاع العام في البلدين.

وفِي عام1986 حصل فائض في الكميات المعروضة من النفط في العالم الذي بدأ يدخل في دورة اقتصادية حرجة ذات بعدين. الأول هو دورة الكساد التضخمي خاصة في الدول الغنية المستوردة للنفط، وفِي دول العالم الثالث. والثاني بداية ارتفاع المديونية وتراجع قدرة الدول على السداد. وقد أعطت هاتان الظاهرتان في الاقتصاد العالمي دعماً كبيراً لأفكار السيدة ثاتشر والرئيس ريغان. وصار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يضغطان على الدول لتصحيح مساراتها الاقتصادية بعيداً عن سيطرة الحكومات، وتحرير الأسواق والعملات، واللجوء إلى التنافسية الدولية.

عام 1986، بدأ الأردن مرحلة التفكير بالخصخصة. وقامت حكومة دولة زيد الرفاعي بوضع مشروع قانون عام يجيز للحكومة خصخصة المؤسسات العامة التي يمكن أن تعمل على أسس تجارية مثل الملكية الأردنية، ومؤسسة الاتصالات السلكية واللاسلكية، ومؤسسة النقل العام. ومن المعلوم أن مؤسسة النقل ولدت في الأساس شركة نقل باصات خاصة يملكها المرحوم رجب خشمان. ولكنها لما تعثرت، ألغي امتيازها وأنشأت الحكومة مؤسسة النقل العام وابتاعت لها اكثر من مئتي حافلة لنقل الركاب داخل العاصمة.

ولكن تبين أن مشروع قانون يُشّكل مظلة لكل محاولات الخصخصة لم يكن ممكناً، فلجأت الحكومة إلى إضافة مواد إلى قانون كل من هذه المؤسسات الثلاث يجيز تقييمها وتقدير موجوداتها وتحديد رأسمالها، وسعر أسهمها وعدد الاسهم التي ستطرح للبيع عبر السوق المالية (بورصة عمّان). ولكن العملية كانت بطيئة. وقد جرى خصخصة الملكية الأردنية عام 1997، ومؤسسة الاتصالات بدءاً من عام1998 وما بعد ذلك.

ولما انتهت الحرب العراقية الإيرانية، وتراجعت مداخيل الأردن من العملات الأجنبية، تفجر الوضع في نهاية 1988، وهبط سعر صرف الدينار، وتبين أن عبء المديونية العامة في غياب العملات الأجنبية قد تخطى طاقة الأردن الذي زاد التضخم فيه مما اضطره إلى إعادة التفاوض حول شروط سداد الديون، وفِي الخضوع التام لاشتراطات صندوق النقد الدولي.

وما زاد من تأزيم المشكلة عام (1990) هو قيام العراق في شهر آب من ذلك العام بغزو الكويت واحتلالها بعد فشل التفاوض حول ديون الكويت على العراق في السعودية، وصدرت قرارات متتالية ضد العراق بدأت بمشروع قرار صادر عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع ورقمه (661) يطلب من العراق الانسحاب الفوري تحت طائلة التهديد بعمل عسكري. وفِي يوم 12/كانون الثاني اجتمع السيد طارق عزيز بوزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر في فندق الإنتركونتننتال بمدنية جنيف. وحددت الولايات المتحدة الساعة الثانية عشرة من منتصف ليلة الخامس عشر من شهر كانون الثاني ساعة الصفر لانسحاب العراق. ولما رفض العراق الامتثال بذلك، هوجمت القوات العراقية في الكويت وبعض المناطق داخل العراق (مثل بغداد)، وانسحب العراق بعدها وخضع لنظام رقابة صارم بعدم بيع النفط، وبعدم شراء أي سلع من الخارج سوى الغذاء والدواء بموجب موافقات صادرة عن لجنة خاصة منبثقة عن مجلس الأمن.

ولما رفض الراحل الملك الحسين أن يشارك في قوات التحالف ضد العراق، تعرض ميناء العقبة للرقابة الشديدة. وجرى تفتيش كل السفن المتوجهة إلى ميناء العقبة، وفُرِض عليها شروط قاسية لتحميل البضاعة ما رفع من كلف الشحن والتأمين البحري على الأردن بمقدار لا يقل عن (300) مليون دينار سنوياً في ذلك الحين.

وبعد الحرب، وجد الأردن نفسه ممنوعاً من استيراد النفط من العراق، وغير مسموع الصوت في دول الخليج. وجاء إليه اكثر من (300) ألف أردني من الكويت، واضطر أن يتعامل مع حوالي مليون عامل أحنبي جاءوا إلى الأردن على أمل أن يعودوا إلى أعمالهم في الخليج بعد أشهر.

جَلَبَ الأردنيون اللذين أتوا من الكويت معهم مدخراتهم وخبراتهم وأعمالهم. فازدهرت في الأردن نشاطات للقطاع الخاص في مجال التجارة، وخدمات الكمبيوتر، والمطاعم، والمدارس الخاصة المتميزة، وكذلك المستشفيات الخاصة، وقد تمتع العائدون من الكويت بتوفر رأس المال لديهم، وبالخبرات المتطورة التي كانت دولة الكويت سخية في تطويرها. وهكذا، ساهم وجودهم بالاضافة إلى الخصخصة في دعم القطاع الخاص. واستمر هذا الأمر حتى عام 1999 حين تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم في الأردن.

وقد شهد الاقتصاد العالمي بعد تغلبه على أزمة المديونية في مطلع الألفية الثالثة ازدهاراً اقتصادياً وصلت آثاره إلى الأردن. وحقق الأردن والدول العربية معدلات نمو عالية، وبأرقام لم يعرفها منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي. وشهد الاقتصاد الأردني طفرة قوية في الإعمار، والعقار، والمشروعات الكبيرة، ونشاطاً واسعاً في المضاربة وفِي سوق عمان المالي، وبناء الجامعات الخاصة، وحصل تغيير كبير في بنية رأس المال وأصحابه في القطاع الخاص. ولَم تعد العائلات التجارية الكبيرة في الأردن هي المستثمر الكبير، بل حل مكانها أُناس جدد حققوا مكاسب كبرى في دول خارج الأردن. أما داخل الأردن، فقد تحققت أرباح هائلة في قطاع العقار. ويؤكد هذه المعلومة الكاتب الفرنسي » توماس بيكتي» في كتابه الرائع » رأس المال في القرن العشرين».

إبان هذا كله، ظهرت أيضاً في الأردن وفِي العالم طبقة جديدة من المستثمرين الساعين إلى الثراء الفاحش السريع عبر المضاربة، وخلق الشركات الوهمية، والتلاعب بالأسهم. وكثر المضاربون والدجالون، وخُلقت أدوات مالية انطوت على تحايل ونصب على عباد الله الأبرياء، ونال الأردن نصيبه من هذا كله.

ولما وقعت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، وصلت إلى الأردن عام 2009 ودخل الأردن في دورة تباطؤ اقتصادي، وفُقع بالون المضاربات والشركات الوهمية مما حَمَّل كثيراً من صغار المدخرين والمستثمرين خسائر كبيرة أودت بأحلامهم بالربح السريع، وبموجوداتهم التي عرقوا وكَدَحوا في جمعها.

ومع ارتفاع نسب البطالة، وتراجع فرص الاستثمار، عادت إلى المسرح آراء الاشتراكيين وأفكار أصحاب نظرية المُلكية العامة إلى الظهور بقوة بعدما خفتت أصواتها وتراجعت أفكارها بفعل سقوط الشيوعية والاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وتمزقه إلى دويلات. وتلاشي نفوذ الدولة عالمياً وانقسامها إلى دول ودويلات تتبنى النظام الرأسمالي.

نحن الآن أمام تحديات كبيرة، وخيارات تعيدنا إلى المربع الذي كنّا نختلف حوله في الرأي. ومن الواضح أنَّ رأس المال الخاص في الأردن قد شهد تحولات كبيرة في مصادره، وأشخاصه، وطبيعته. ولا يمكن أن تقول أن رأس المال الكبير هو فلسطيني، أو سوري، أو أردني، أو مسيحي، ولكنه خليط من كل هؤلاء. وهو يقف حيال الحكومة التي تنزع بعلاقاته معها إلى المواجهة أكثر من المشاركة.

لقد وصلنا إلى مرحلة حاسمة يجب أن ندرك فيها أن التعاون والتشارك هما الطريق الصحيح والأسلم. وحساسيتنا المفرطة اتجاه الآخرين هي التي كانت تقلب الموازين في الأردن إما لصالح هذا القطاع أو لذلك. والعودة إلى الإصلاح الاقتصادي المقترن بالإصلاح السياسي، وترك الشعب ليأخذ مساحة في اختيار ممثليه ومسؤوليه هي التي ستحقق الوئام، وحسن تبادل الأدوار، بين القطاعين العام والخاص بالحرص على المصلحة الوطنية العليا.
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF