د. فيصل غرايبة
هذا الأردن الذي نعتز بالانتماء اليه ونحرص على حاضره الآمن ومستقبله المأمول ,الذي نبتهج اليوم بدخول المئوية الثانية من حياة مملكته الهاشمية ثمرة الثورة العربية الكبرى... شهد كثيراً من الأحداث المفصلية وعاش العديد من القضايا القومية التي مرت على امتنا العربية وشرقنا المشرق ومتوسطنا المتفاعل. فقد شق أجدادنا الأوائل أطول نفق مائي عالمي في «أم قيس» غرة الشمال الطيب، وانطلقت الدولة الأموية من «أذرح» في منطقة «الشوبك» بعد حادثة التحكيم، مثلما انطلقت الدولة العباسية من بلدة «الحميمة» في جنوب المنطقة، كما شهدت الديار الأردنية أعظم معركتين في ظل الخلافة الاسلامية وهما «مؤتة» و«اليرموك». وتبعا لذلك يضم الأردن رفات 36 صحابيا من أصل 110 من صحابة رسول الله،، وهو الوطن الذي شهد حضارة الأنباط التي تشهد «البترا» عليها الآن وفي كل الأزمان. ويضم «عمون» تلك المدينة التي فر منها أهل الكهف وكانت عامرة زاهرة في عصرها.
والأردنيون بطبعهم الذي تشكل منذ مئة عام وأكثر متوادون متراحمون لا يواربون في المواقف ولا يختبئون وراء الحقيقة، ولا يتسترون على العيوب، صريحون بالقول ثابتون على المبادئ، ولذلك لا يتاجرون بالدين لكسب ثقة قوم، ولا يتظاهرون بالإيمان لمجرد التظاهر به، لأنهم يؤمنون بالعمل الجاد المنتج والتحرك المعلن المكشوف امام العيان، مثلما أن الأردنيين لا يأخذون عن وسائل التواصل دون تمحيص، ولا يلتفتون لمحاولات معالجة القضايا الراهنة عن طريق الرجم بالغيب وفبركة الروايات التاريخية، لأنهم لا يتعاملون مع الحضارة والتاريخ والواقع بطريقة ردود الأفعال، فلا ينساقون الى الإصلاح بالسلاح والهتافات أوالانقضاض والتجيير، ومقتنعون بأن الإصلاح لن يتم بالنبرة العالية والعقول المنغلقة والقلوب القاسية، واعون لمواضع أقدامهم على الدرب الطويل، ومدركون لظروف بلدهم الصعبة، ولا يحاولون الالتفاف على النوايا الطيبة تجاه الانجاز المناسب في الوقت المناسب.
إن الإصلاح الأردني الذي ينشده الأردنيون يتطلب اعادة النظر في ظواهر اجتماعية قائمة، وفي حقيقتها سلبية، وإن كان التمسك بها والسلوك بالانطلاق منها مستساغاً، ولدينا عادات وتقاليد يترتب عليها إجراءات ومواقف، لم تعد صالحة للاتباع في المجتمع المدني الحديث، وخاصة إذا ما سعى المجتمع إلى بناء حياته على احترام حقوق الإنسان.
ولما كانت المواطنة تشكل الإطار الجامع لعلاقة المواطن بوطنه، تتجلى صورها في المساواة في الحقوق والواجبات، وإعلاء قيمة الحرية وتطبيق مبادئها الراسخة،وانجاز التنمية بعدالة ومساواة، ولما كانت الديمقراطية فلسفة حياة وثقافة إنسانية وممارسة عملية، تتماشى مع انتشار ثقافة المواطنة،التي كفلها الدستور باقراره حق الأردنيين في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية، وأن الدولة تكفل حرية التعبير والمشاركة في الحياة العامة وممارسة المواطنين حقهم الانتخابي. وهكذا تترسخ قيم المواطنة على أساس العقد الاجتماعي،ومبدأ التشارك، لتشكل طاقة مجتمعية تنظم المواطنين للعمل بفاعلية، وقد ازداد الحس المدني وتأصلت قيم المساواة والتعاون.
كل مئة عام والأردن الذي نحب ماض نحو المجد والرفعة.