د. أحمد يعقوب المجدوبة
لا شك بأن تطوّر الحياة البرلمانية وتَقدّمها أمران في غاية الأهمية، ليس لأنّ البرلمان يلعب دوراً مهماً في سنّ القوانين ومراقبة الأداء حسب، بل كذلك لأنّ حياة برلمانية قوّية تتصل اتصالاً وثيقاً بديمقراطية قوية.
وصحة الحياة الديمقراطية في الوطن هي من أولى الأولويات، حيث رأيناها في المئة سنة الماضية تنمو وتتطور بخطى ثابتة وواثقة؛ لكنها بحاجة إلى مزيد من النمو والتّطوّر.
تحقق الكثير خلال قرن من عمر الدولة، ومطلوب الكثير.
من الأشياء المطلوبة على البعد الديمقراطي أحزاب أكثر نضجاً وتمثيلاً وأعمق جذوراً. وهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد والعمل.
لكن مطلوب كذلك تطوير المؤسسة البرلمانية وتجويد أدائها لأنها حجر الأساس في الحياة الديمقراطية؛ فلا ديمقراطية قوية دون حياة برلمانية فاعلة.
لتحقيق ذلك نحن بحاجة لفعل الكثير؛ ومن أهم ما يجب فعله إعادة النظر في نظرة البرلماني لدوره ونفسه وأدائه.
نعي بالطبع أن البرلمانيين يختلفون، رؤية وموقفاً ومسلكاً ونهجاً وأداءً. وهذا أمر وجب الاعتراف به حتى لا نهضم حق العديد من البرلمانيين الذين كان لهم وما زال دور إيجابي تحت القبة وخارجها، ولسنوات طويلة. إيجابيات كثيرة تسجل للعديد من أعضاء مجلس النواب، وبالذات أؤلئك الذين يعملون بهدوء ونضج وصمت، بعيداً عن عدسات الكاميرا وبعيداً عن الإثارة.
ومع ذلك فلا بد من الإشارة إلى نمط سلبيّ في أداء بعض البرلمانيين برز بقوة خلال أكثر من ثلاثين سنة ماضية من حياة برلمانية حافلة، ذلك النمط الذي لم يرقَ بعد للدور المطلوب منه.
نتحدث هنا عن البرلمانيّ المُنتقِد الساخر، لا المُحللّ الناقد؛ الباحث عن الإثارة والشهرة، لا الذي يعمل بهدوء وتواضع؛ المُنبهر بشكل الخطاب لا بجوهره، المُنحاز لعلوّ الصوت لا لنبرته.
هذا ما نراه من عدد لا بأس به من البرلمانيين، ولا نقول منهم كلّهم، عند إثارة أي قضية، بما في ذلك القضايا التي تثار هذه الأيام في مناقشات جلسات الثقة في الحكومة الجديدة.
البرلماني العاطفي دوماً الغاضب دوماً العدمي دوماً، لا يفيد أسلوبه في شيء، على العكس مما قد يظنّ. فالناس تريد أن تسمع كلام العقل، وتريد تحليلاً عميقاً للقضايا وتشخيصاً دقيقاً للمشكلات؛ وتريد اجتراح الحلول لا اجترار العثرات والإخفاقات.
الناس تريد من يُشيع الأمل، لا من ينحاز للسوداوية والإحباط.
المؤكد أن مثل هذا الخطاب يأتي بنتائج عكسية، فبدلاً من كسب إعجاب الناس وثقتهم، يأتي بالنقد اللاذع للبرلمان وخيبة الأمل منه.
المطلوب شيء مختلف: خطاب منطلق من فهم عميق للقضايا، وكلمات مُؤسَّسة على تحليل رصين، ورؤية واضحة لجوهر المشكلات ولطبيعة الحلول.
ولا يتأتى ذلك إلاّ بالمراس والتدريب والتأهيل. ومن هنا فقد يكون أحد الحلول دورات تدريبة مكثفة للبرلمانيين الذين هم بحاجة لذلك، من أجل أن يمتلكوا المهارات المطلوبة.
لن تتحقق النقلة في أداء البرلمان إلا بتغير جوهري في أسلوب ونهج العديد من البرلمانيين؛ ولا يكون ذلك إلاّ ببرامج تدريب مكثفة.