د. أحمد يعقوب المجدوبة
رغم قُرب انفراج أزمة الجائحة، بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والنفسية والصحية، لقرب وصول اللقاحات للمحتاجين إليها، فإن العارفين بالأمر يشددون على أن الأزمة ستبقى معنا لأجل غير مسمى.
فمن الصعب القضاء على الفيروس بين عشية وضحاها، خصوصاً وأن سلالات جديدة منه بدأت تظهر. وربّما ستبرز فيروسات أخرى، كما برز غيرها من قبل.
ما العمل؟
لا شك بأن المطاعيم تشكل حلاً ناجعاً في الحد من انتشار العدوى وفي الحفاظ على صحة الناس.
وطوبى للعلماء الأجلّاء الذين يكرسون جلّ وقتهم لإنقاذ البشرية. وكانت جهودهم مضاعفة في حالة فيروس كورونا هذا الذي عطلّ الكثير من أبعاد الحياة، فكانوا في سباق مع الزمن لإيجاد اللقاح الفعّال في وقت قياسي، وقد نجحوا.
وطوبى للمؤسسات والمجتمعات الداعمة لثقافة العلم، لأن معظم الحلول في زمننا، وفي المستقبل، تأتي عن طريق العلم والذي يشكلّ أحد أهم الروافع لنهضة الأمم وتقدمها.
وهذا درس مهم لا بد من أن نعيه.
لكن الدرس الأهم، في تقديرنا وفيما يخص مجتمعاتنا «النامية» كما يُسمّونها، أن أحد أهم سبل الوقاية من الفيروسات، الذي لا يقل أهمية عن اللقاحات، يكمن في السلوك الحسن والعادة الحميدة.
عندما حلّت الجائحة الثقيلة قبل أقل من عام، كان تركيز العلماء والمختصين، في انتظار التوصل إلى لقاح أو علاج، على التباعد الجسدي وتجنّب التجمعات الكبيرة والنظافة الشخصية وارتداء الكمامة.
وهذه أمور بسيطة وغير مكلفة، وتشكلّ منفردة أو مجتمعة حلولاً ذكية، في متناول جميع الناس.
وهي منطقية وسهلة التطبيق، ويجب أن نتمسك بها ليس في ظروف الأوبئة فحسب، بل حتى في الظروف العادية.
الدرس الأهم الذي يجب أن يعيه الناس أن التقارب الجسدي غير المبرر، في أثناء التسوق أو التنقل في وسائل النقل العام أو تنفيذ المهام في مكان العمل أو التفاعل في المناسبات على اختلاف أنواعها، أمر غير محبّب على الإطلاق، وهو سلوك ضار.
ترك مسافة معقولة بين الفرد وغيره هو سمة حضارية تمارسها شعوب عدة بسبب دروس تعلمتها عبر حقب متعاقبة، كانت بسبب أوبئة أو حوادث أو عوامل أخرى غير سارّة.
فالسلوك البشري في غالبه مُتعلَّم وليس فطرياً، ويأتي التعديل فيه كنتيجة منطقية لمؤثرات معينة، ومنها الجوائح والأمراض وغيرها.
وذات الشيء ينطبق على النظافة الشخصية، وبالذات نظافة الأيدي وإبعادها عن الفم والأنف والعيون لأن الأيدي من أكبر عوامل نقل العدوى بأنواعها المختلفة.
الكمامة جديدة نوعاً ما على مجتمعنا، بعكس العديد من المجتمعات التي يرتديها الناس فيها في عدة مناسبات إما تجنباً لنقل العدوى للآخرين أو لحماية أنفسهم من العدوى.
من المهم أن نعتاد عليها، وتصبح ملازمة لنا كما كانت «المحرمة» القماشية ملازمة لنا في حقبة ما قبل المحارم الورقية.
نكون رابحين حقاً، رغم الخسائر التي أصابتنا على عدة مستوات من جراء الجائحة، إذا غيرنا في سلوكنا وفي عاداتنا لنتمكن من هزيمة هذا الفيروس وغيره من فيروسات محتملة.
وبهذا نكون قد وعينا الدرس الأهم.