د. حسام باسم حداد
تعتبر احتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها البنوك المركزية مستقرة بشكل عام، وعبر العقود الماضية كان الهدف الرئيس من وجود تلك الاحتياطيات هو توفير الضمانات المالية للمعاملات الدولية بما في ذلك تمويل ميزان المدفوعات، والتدخل في في أسواق النقد الأجنبي، وتوفير النقد الأجنبي للوكلاء الاقتصاديين. ومما لا شك فيه فإن جائحة كورونا عملت على تسريع التحولات في حيازة الاحتياطيات لدى البنوك المركزية جنباً إلى جنب مع التطورات السياسية والجيوسياسة والثورات التكنولوجية التي تلعب دوراً مهما في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي واستخدام العملات على المستوى الدولي.هناك العديد من العملات الوطنية المستخدمة في العالم ولكن القليل منها يستخدم في المعاملات الدولية ويلجأ إليها في الأزمات كملاذ آمن مثل الدولار واليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني وذلك من أجل إعداد الفواتير، سداد المدفوعات مقابل الواردات، إصدار سندات الدين أو الاستثمار الخارجي.
إن تكوين حيازة عملات الاحتياطيات لدى البنوك المركزية ودوافعها مرتبطة بالعديد من الأسباب والدوافع وقد تصدرت قائمة الحيازات في تسيير المعاملات الدولية، العملات المستقرة كالدولار واليورو. إن الروابط المالية تعتبر واحدة من أهم الدوافع لحيازة العملات الاحتياطية كإرتباط الدولار بالنظام المالي العالمي والتجارة الدولية وهو المسوغ لاحتفاظه بهيمنة كعملة احتياطية. هناك العديد من الاتجاهات العامة الاقتصادية والمالية التي لها الأثر على تكوين حيازات الاحتياطي في المستقبل. لذلك مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم من التطورات السياسية والجيوسياسية والتكنولوجية والمناخية والأمن الصحي الذي أثر في الأونة الأخيرة على الاقتصاد العالمي تأتي التحولات المستقبلة والدوافع المحتملة في تغيير النهج المتبع على الحيازات.
ومن أهم الدوافع المستقبلية التحولات في التمويل الدولي أي إيجاد البدائل للديون المقومة بالدولار الأميركي. حيث يصبح من الممكن أن تلجأ دول الأسواق الصاعدة لإصدار سندات الدين بعملات البلدان الصاعدة الدائنة من أجل المساعدة في تلبية احتياجات التمويل. إن العملة المقوم بها الدين العام تعتبر محدداً لحيازة الاحتياطي في الأسواق الناشئة نظراً لرغبة البنوك في التحوط من المخاطر المصاحبة لإلتزامات الديون. تعتبر التغيرات المستمرة في الروابط التجارية وممارسة إعداد الفواتير دافعاً مستقبلياً وهذا ما أختبره العالم خلال جائحة كورونا وهشاشة سلاسل التوريد العالمية. لذا فإن إن تنويع الطلب على العملات مرتبط بتنويع الشراكات التجارية. إن الموثوقية في سياسات الدول المصدرة لسندات الدين تُكسِبُ الثقة في عملتها عبر وضع السياسات الاقتصادية والصحية للمحافظة على نموها. والاعتبارات الاستراتيجية المرتبطة بالتوترات التجارية والعقوبات الدولية دافعا لتغيير الحيازات. وأخيراُ فإن تقدم التكنولوجيا المالية ونظم الدفع الالكتروني عمل على تحفيز البنوك المركزية للإلتفات إلى العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية ونظم المدفوعات العابرة للحدود. برأيي، ما يدعو البنوك المركزية لإعادة النظر في تكوين الاحتياطيات وحيازتها المستقبلية مرهون بالظروف والتحولات العالمية.
[email protected]