د. أحمد يعقوب المجدوبة
البشرية على وشك الانتصار على جائحة كورونا. فعدد من المطاعيم، التي انتظرناها لأشهر طويلة، أصبحت جاهزة تقريباً.
لا بل إن بعض الدول بدأت بإعطاء المطاعيم لشرائح من شعوبها حسب سلم أولويات، والعديد من الدول يستعد لتسلم المطاعيم والبدء بإعطائها للمعنيين حسب خطط توزيع تراعي تلك الأولويات.
وهذه أخبار سارة فعلاً، فلا شيء أهم من صحة الناس وحياتهم وأهم من عودة الحياة لطبيعتها.
ومع ذلك لا بد من التذكير بثلاث حقائق مهمة التي دون ادراكها والعمل بموجبها لا يمكن تحقيق النصر الحاسم على الفيروس اللعين.
أولّها أن وصول المطعوم للجميع، وبالذات في مجتمعنا، سيأخذ وقتاً قد يمتد إلى شهور طويلة. ومن هنا فلا بد للناس من الالتزام التام بقواعد الصحة والسلامة، وعدم التفريط بأي منها؛ ومن أهمها ارتداء الكمامات والتباعد الجسدي وتجنب التجمعات وغسل اليدين بالماء والصابون كلّما دعت الحاجة.
إجراءات لوجستية كثيرة ما زالت تحول بيننا وبين وصول المطعوم، وعندما يصل ستكون هنالك ترتيبات وإجراءات وتفاصيل كثيرة تتطلب وقتاً لكي تتم العملية بكفاءة وشمولية.
ومن هنا تأتي أهمية الالتزام التام.
ثانيها ويتمثل في أنه حتى بعد أخذ المطعوم، كما يخبرنا الخبراء، لا بد من الالتزام بالقواعد ذاتها.
فإعطاء المطعوم، حتى للجميع، لن يقضي على الفيروس بين عشّية وضحاها، وأن المطعوم في المراحل الأولى لن يكون بديلاً عن الكمامة والتباعد وتنظيف الأيدي. بل لا بد من الاستخدام المتزامن للمطعوم من ناحية، وقواعد الصحة والسلامة من ناحية أخرى.
وهذا أمر حاسم. والإفراط في التفاؤل أوالتفريط في القواعد ستكون لهما عواقب سيئة لأن الأمر أصعب وأشد تعقيداً من مجرد وصول المطعوم وأخذه، فهذا فيروس خطير وسريع الانتشار ولا بد من أن يجابه بدرجات عالية من الانضباط.
ثالثها أن الحياة لن تعود، ولا يجب أن تعود، لما كانت عليه قبل الجائحة، لأن أساليب حياتنا كانت مبنيّة على العديد من الممارسات الخاطئة، مثل الإكثار من الترحاب والتقارب الجسدي والتجمعات غير المبررة والمناسبات الاجتماعية المبالغ فيها.
ومن هنا فعندما نتحدث عن عودة الحياة إلى طبيعتها نتحدث عن نمط جديد ومحسّن من الحياة لا عن النمط القديم إيّاه المفعم بالإشكالات، نمط جديد يتسم بالسلوك الحضاري السليم والتفاعل المُؤسَّس على أصول في التعامل.
فالشعوب تتعلم من التجارب التي تخبرها والعاقل من اتعظ؛ فالجائحة على قساوتها أتت لتعلمنا دروساً كان الأجدى والأجدر أن نتعلمها دونها.
عندما زرت اليابان عام 2004 وكوريا الجنوبية عام 2006 كان من أكثر ما لفت انتباهي ارتداء عدد من الناس الكمامات في الأسواق ومحطات القطار. وعندما سألت قيل إنّ المصاب بالرشح يرتديها حتى لا يعدي الآخرين، وأن بعضهم يرتديها حتى لا يصاب بالعدوى.
سنتغلب على الجائحة لا محالة، لكن لا بد من التغلب أيضاً على العديد من الممارسات والسلوكات السلبية التي كنّا وما زلنا نمارسها رغم أنها تؤذينا.
معركتنا هي مع الفيروس والجائحة، لكنها أيضاً معركة سلوك حضاري.