د. فيصل غرايبة
عزيزي وليد.. لقد فاجأتنا يا صديقي برحيلك،فقد كنت الزميل الأمين. عدا أنك ذاك الإنسان النشيط الذي تعكسه شخصيتك الراقية واخلاقك النبيلة، من خلال مجلة «بوح القلم»، والتي اهتممت بهمتك العالية، بأن تكون منبرا للبوح، وفيضا من القلم، لأرباب القلم وحراس الكلمة، لا تبغي من ورائها صيتاً، ولا تسعى بها لكسب، تحمل رسالة واضحة، من أجل عزة الوطن.
أذكر يوما أنك زرتني، لتبلغني أن مجلة «بوح القلم» قد بلغت في صباها عامها العاشر، فأخذت أفكر ماذا سأكتب عن هذه الصبية الغراء، التي ترمز إلى مسيرة ثقافية يقودها الدكتور وليد حتاملة، إذ لم تكن «بوح القلم» إلا سلاحاً راقياً بيد المواطن ومن أجل الوطن، تصطف مع الجيش في مختلف مواقع الدفاع عن البلاد، تقف مع المعلم في درسه لتلاميذه، ومع الطبيب في معالجته لمرضاه، ومع المهندس في إشرافه على مبناه، ومع الجيولوجي في تنقيبه في جوف الأرض، ومع الكيميائي في تحليلاته في مختبره، لقد جعلت منها ساحة رحبة للأحاديث المفيدة مع ربة البيت، ومع المدرب بمؤسسة الرعاية الاجتماعية، ومع كل من يرتاد المنتدى، أو الجمعية، أو الرابطة، أو النقابة، أو صالة الابداع، من أجل استدامة الانماء.
أذرف الدمع اليوم على نعيك، وأعيد تقليب صفحات المجلة، فلم أجد في محتوى بوحك يا «وليد» أي تشدد بالقناعات، ولا أي انحياز في وجهات النظر، إذا كتب أحدهم فيكتب بسماحة، كسماحة الدين السمح القويم، وإذا كتب ثانيهم في اللغة وعن اللغة، فقد كتب بالضاد الرصينة وبالعربية البليغة، وإذا تناول ثالثهم الحداثة والمعاصرة، فلا يتركها في مهب رياح التغريب، وإذا تناول غيره معدن التراث، فلا يحشره بزوايا التشدد، ولا يقيده بأغلال الماضي السحيق، وإذا ما حاول أحد منهم أن يبدع في أي صنف من صنوف الإبداع، فقد وصل إبداعه إلى آفاقه الفسيحة. لقد كانت مجلتك، وأرجو أن تستمر، كما عهدناها معاً، مملوءة بالحيوية لدى أسرة تحريرها، ومتزنرة بالعزم في إرادة أصحابها، ومتوجة بالتجديد والإبداع من كتابها، ومحاطة بالاهتمام من قرائها، ومكللة بالود والإعجاب من كل من يطلع عليها لأول مرة، ومفعمة بالشوق ممن يسمع عنها ويسعى للاطلاع عليها. وإنني إذ أتقدم بالعزاء الشديد والمواساة الأكيدة، إلى رفيقة دربه المثابرة، وإلى عائلته الكريمة، وإلى عشيرته الكبيرة وإلى «الحصن» الأبية وإلى الشمال الطيب، لأدعو الله له بالرحمة الواسعة والمغفرة البالغة، ولهم جميعاً جميل الصبر والسلوان والعمر المديد.
وفق الله «بوح القلم».. مجلة ثقافية ورسالة وطنياً ومشروعاً حضارياً، ووفق أهلها الذين يصدرونها ويمولونها ويحررونها وينشرونها ويوزعونها. وإلى جنان الخلد يا رئيس التحرير الوطني الغيور – الدكتور وليد حتاملة- ولتدم مجلتك يا أخي ويا صديقي ويا زميلي، كما نعرفها البوح الصادق والقلم الأمين.