د. أحمد يعقوب المجدوبة
لو طرح سؤال حول الأولوية الأولى للإقليم الذي نعيش فيه هذه الأيام، فما عساها تكون؟
لا شك بأنّ الإجابات تتعدد، وتختلف من شخص لآخر تبعاً لقناعاتهم.
فبعضهم قد يجد الأولوية في محاربة جائحة كورونا، والبعض الآخر في القضاء على الركود الاقتصادي، وآخرون الآخر في إنجاح التعلم الإلكتروني. وما إلى ذلك.
وهذه كلّها إجابات صحيحة، ولها ما يُبررها.
بيد أننا نرى الأولوية في تحقق الأمن والأمان والسلم والسلام.
فالإقليم في وضع لا يَسرّ منذ عقود طويلة، وبالذات منذ أحداث «الربيع العربي» التي أصابت العديد من الدول العربية بمقتل، فأتت على مقدراتها ودمّرت بناها ومؤسساتها وشرّدت أهلها وأهلكت العديد من مواطنيها.
لا بل إن منطقتنا تعاني منذ أكثر من مئة عام، بداية من اتفاقية سايكس-بيكو المشؤومة ووعد بلفور اللعين وانتهاءً بتداعياتهما التي أثرت على الكلّ والتي ما زلنا نحصد شوكها، وما زالت تتفاقم.
الأمن والسلم لجميع الدول في الإقليم أساسي لأنه بدون ذلك لن تتحقق أي من الأولويات المذكورة أعلاه وغيرها كثير؛ فالسلم هو الأساس الذي تُبنى عليه خطط التنمية والتطور والتقدم.
من هنا يتوجب على دول المنطقة جميعها أن تجلس برويّة وبتحضّر لرسم خريطة طريق للخروج من الأزمات وتأسيس علاقاتها على مبادئ حسن الجوار أولاً، ثم التعاون والتعاضد لمصلحة الجميع.
مئة عام من الصراعات والأزمات والحروب التي فرضتها علينا الدول الأوروبية المستعمِرة والكيانات التي تدور في فلكها، وعقد كامل من العنف والدمار والهلاك، يكفيان.
وإذا ما استمر التوتّر ودامت الخلافات وتفاقمت، فلن يكون هنالك رابح. ذلك أن وجود دولة واحدة تعيش في أزمة أو عنف أو دمار سيؤثر لا محالة على الجميع، والجميع يكون خاسراً.
ومن هنا فإن الأمن والسلم في مصلحة الجميع، وهما بيد دول المنطقة ذاتها وليس بيد غيرها.
ومن هنا فعليها أن تأخذ بزمام المبادرة وتطلق حملة حوار وتصالح دون حاجة للتدخل من أحد، ذلك أن معظم الذين تدخلوا في الماضي سببوا الخلافات وفاقموا الأمور وزادوا الطين بلّة.
ما المنطق في لجوء الأهل والجيران في السعي لوسطاء إما من خارج الإقليم أو من دول في الإقليم طامعة في الجميع وساعية لمزيد من التأزيم والشرذمة للإقليم؟
وإذا كان لا بد من وساطة أحد، فلتكن وساطة النزهاء والعقلاء الذين يقفون على مساحة واحدة من الجميع والذين يسعون لإصلاح ذات البيْن ولبناء علاقات تعاون وتكامل نظيفة وشريفة وصحيّة.
القاعدة هنا واضحة: الجيرة التي تحترم نفسها وتحترم كلّ من فيها وتحرص عليه تعيش في أمن وأمان وسعادة. أما تلك التي تشوب علاقاتها الشوائب وتُبنى علاقاتها على التوتر والحسد والتنافر والخلاف فتعيش في قلق وأرق وشقاء، ولا تستطيع أن تحقق أي تقدم أو ازدهار حقيقي، رغم بعض الاختراقات هنا وهناك.
من هنا نُصرّ على أن الأمن والأمان، القائمين على التفاهم المشترك والعلاقات المتحضّرة، هما الأولوية الأولى للمنطقة.