د. أحمد يعقوب المجدوبة
عالمياً أصبحت الرياضة صناعة تُولّد أموالاً ودخولاً كبيرة للمجتمعات والأندية والأفراد. إقليمياً حصل بعض الدفع القوي بهذا الاتجاه. أمّا محلياً فما زالت الأمور تراوح مكانها.
والصناعة هذه خلقت وتخلق فرصاً ممتازة للشباب المبدع عالمياً وإقليمياً. فاللاعب المتفوق في رياضات القدم أو السلة أو التنس الأرضي أو الغولف أو كرة القاعدة أو الطائرة أو غيرها يحصل على رواتب وامتيازات مجزية، أكثر بكثير مما يحصل عليه نظراؤه في مجالات العمل في القطاعات المختلفة.
ومع ذلك فإننا، وعلى نحو عام، نُقلل من أهمية الألعاب الرياضية في مجتمعنا ولا نشجع أبناءنا وبناتنا على أخذها على محمل الجد، وننظر إليها في غالب الأحيان إما كأنشطة مسلية أو مضيعة للوقت.
وذات النظرة تتبناها مؤسساتنا التعليمية، والتي نظرت وتنظر للرياضة والفن على أنهما أقل أهمية من غيرهما من المواضيع.
دروس اللغات والعلوم المختلفة هي مواد مهمة وأساسية، وهي عماد نهضة المجتمع وتقدم الفرد في الحياة العملية؛ أما الرياضة والفن فهما مادتان هامشيتان، وقليل من يظن أنهما تتيحان الفرص للأفراد لكسب العيش وبناء حياة كريمة.
وهذه النظرة القاصرة ظالمة لشبابنا وشاباتنا الموهوبين، والذين لو تلقوا الدعم اللازم لعادت عليهم تلك الرياضات وعلى عوائلهم ومجتمعاتهم بالنفع الكبير.
قبل أسابيع لمّا طلب لاعب برشلونة ليونيل ميسي مغادرة فريقه كتب البعض أن الخسارة لن تكون للنادي الإسباني فحسب بل للاقتصاد الاسباني ذاته، لما يدفعه اللاعب الثمين من ضرائب وتبرعات وما يحركه من أعمال تجارية، مثل شركات الأفلام الدعائية وبعض استثماراته.
فرد يؤثر على أحد أهم اقتصادات الدول؛ فما بالك بمجموعة أفراد من وزن مماثل.
عندنا شباب وشابات موهوبون، ولو هيأنا لهم البيئة المناسبة لصقل مواهبهم ودعم إبداعهم لأصبح العديد منهم يحترف في نواد دولية، مثل غيرهم من الشباب والشابات الذين تدعمهم دولهم وتُهيء لهم البيئة المواتية للتطور والنمو والإبداع، ولعادوا بالنفع المعنوي والمالي على أنفسهم وعوائلهم وبلدهم.
لكننا مع الأسف مقصرون بهذا الجانب أيّما تقصير وعلينا إعادة النظر بأشياء كثيرة إذا أردنا إنصاف شبابنا وشاباتنا من ناحية وإفادة مجتمعنا من ناحية أخرى، ومنها الآتي:
أولاً، إعادة النظر بنظرتنا للرياضة وأخذها على محمل الجد، فهي كلّها منافع: فهي مهمة لصحة الفرد الجسمية والنفسية ولخلق التوجهات الإيجابية، مثلما هي مهمة له مادياً ووظيفياً.
ثانياً، إعادة النظر بالحصص الرياضية في المدارس والجامعات، بحيث تُعطى الأهمية اللازمة، وتُؤخذ على محمل الجد، وتُعامل كأي مادة من المواد التي يدرسها الطلب، ويكون أحد أهم الأهداف تنمية المواهب وتهيئة الفرصة للمبدعين للسعي للاحتراف فيها.
ثالثاً، إعطاء اهتمام أكبر للأندية الرياضية وتذليل العقبات أمامها وتطويرها، وتعديل تشريعاتها بحيث تنتقل إلى البعد الاحترافي.
يجب أن نُعامل الرياضة كصناعة ونعوّل عليها اقتصادياً كما نعوّل على العديد من المجالات الانتاجية؛ وقد سبقتنا إلى ذلك بعض الدول الشقيقة في شمال أفريقيا.
لا بدّ من اتخاذ هذه الخطوة دون تأخير؛ وخسارة وأيما خسارة إن لم نفعل.