د. فيصل غرايبة
شهدنا وعشنا في اردننا الحبيب تجارب انتخابية على مختلف المستويات، وفي طليعتها التجربة الانتخابية لمجلس النواب، التي تدل على أن الاختيار الواقعي يبنى على تحقيق مكاسب شخصية، والبحث عن الشخص الأقدر على مساندة المواطنين في تحقيقها، غير أن من كتب لهم النجاح لم يستطيعوا أن يوفوا بجميع وعودهم لكل من صوت لهم، أو سعى معهم لتأمين الأصوات، أو أهملوها وأخضعوها للتسويف والمواربة، فانقلب المواطنون ضدهم، فواجهوا حالة عدم الثقة من المنتخبين والقاعدة الشعبية في دوائرهم، نجم عنها موجات الانتقاد أو التشكيك أوالمقاطعة أوالتهجم. أما المصلحة العامة التي قامت الانتخابات والبرلمان والتنظيمات الشعبية والمنتخبة من أجلها، فتبقى غائبة عن الأذهان والأفعال، وتقييم المترشح أو تقييم النائب على أساس قدرته على صون المصلحة العامة ورعايتها، لم يحصل. فضلا عن أن مساءلة النائب المنتخب لم تتم في ضوء اعتبار هذه المصلحة الوطنية العليا.
كما أن الأحاديث تتزايد والمناقشات تحتدم حول الحزبية والعشائرية، عند الاقتراب من موعد الانتخابات المجلس، تسير في تيارين، الأول: الذي يؤيد قيام حركة حزبية ناشطة قوية، تستقطب الناس حولها، وتوجه الرأي العام، وتغذي الحملات الانتخابية، وتختار النواب على أساس انتمائهم الحزبي وميولهم السياسية وقناعاتهم الأيديولوجية، بغض النظر عن انتماءات المرشحين والناخبين العشائرية، والثاني: الذي يؤيد الإبقاء على الروح العشائرية: التي تحافظ على التفاف العشائر حول أبنائها، بالترشيح والانتخاب، وإهمال أية ميول حزبية ونزعات عقائدية، بغرض المحافظة على ما ألفه المجتمع الأردني، من أن تكون الروابط العشائرية، أساس التماسك الاجتماعي،ومنطلق الصلات داخل المجتمع، في المجتمعات المحلية والمجتمع الأردني برمته.
تجري الانتخابات هذا العام في ظروف استثنائية فرضتها جائحة كورونا التي تجتاح العالم من أقصاه الى أقصاه، اذ تتمثل بانتشار هذا الفيروس بشكل يدعو الى القلق، وتحتم التباعد المجتمعي كضرورة قصوى بالاضافة الى وضع الكمامة التي لم تعد ترفا ولا غنى عنها، وتتطلب تجاوب المواطن اي مواطن مع مقتضياتها، اضافة الى مراعاة شروط الصحة العامة والصحة الشخصية، مثلما تتطلب هذه الظروف غير العادية الاقتناع الشعبي بالاجراءات الرسمية والألتزام بما تطلبه من المواطن بحيت تكون واجبة الاتباع، في حين يبقى التحدي قائما بين محاولات الاتفاق على المترشح الأمثل والكفؤ والقادر على التعبير بوضوح والطرح بجرأة وقول الحق، وبين الالتزام العشائري والوقوف الأخوي مع الأقارب أو الرفاق أو الأصدقاء من المترشحين، سواء باطارهم الكتلوي الجماعي او سيرهم الذاتية بما تتضمنه من مؤهلات وخبرات وانجازات، وقد عودتنا التجارب الانتخابية على تجاوز الانسجام والتكاتف والتعاون ومواجهة تصرفات متوقعة ومشهودة، قائمة على التنكر او التغاضي او (البواق).
يأمل المواطن المعتز بانتمائه للمجتمع الأردني المتماسك، تحت الظلال الهاشمية الوارفة، أن يثبت جميع المترشحين حرصهم على العمل الجمعي والانتظام بالكتل والتعبير عن وحدة الكلمة وثبات الموقف، ووفائهم لمزايا اردننا العزيز.
[email protected]