عبدالهادي راجي المجالي
.. كنت أؤمن بالحب عن بعد, أو الحب من طرف واحد.. وكنت أعرف تفاصيله ولوعاته.. لكن قصة التعليم عن بعد, أجدها مؤلمة نوعا ما.
في زمننا كان التعليم وجها لوجه, كانت أسماء الاساتذة لدينا توحي بالهيبة والوقار.. أستاذ اللغة العربية كان اسمه عبدالرحيم, وأستاذ اللغة الإنجليزية كان اسمه عطاالله.. وكان اسم أستاذ التربية الإسلامية (أبو صطام).. صدقوني أني أمضيت المرحلة الإعدادية دون أن أعرف اسمه الحقيقي.. وأستاذ الرياضة كان يأتي بدشداشه وشماغ مهدب, أصلاً كانت الرياضة لدينا, حصة تراثية أكثر منها رياضية.
أتذكر أن (أبا صطام) ضبطني ذات مرة في وضعية الغش, كنت قد نسخت مجموعة من القواعد والنقاط على (الرحلاية).. ووشى بي طالب لئيم, يومها كانت (فضيحة بجلاجل)..والرجل لم يكن يرحمنا, لقد جعلني أقف أمام الطابور الصباحي, وقال للطلبة جميعهم من كافة المرتبات والصنوف: (هذا الطالب غشاش).. ثم لوى أذني, وكنت أعتقد أن القصة توقفت عند هذا الحد, لكنها للأسف لم تتوقف, لقد صرت فقرة من فقرات الإذاعة المدرسية.. ولابد أن أقف يوميا أمام الطلبة, ويعيد (ابو صطام) علينا.. مجموعة من القيم, والأخلاقيات المرتبطة بسلوك الطالب.
منذ فترة وأنا أتابع التعليم عن بعد, ما هذا؟.. (مس سالي), (مس تمارا).. وهنالك مس أسمها (أمل).. قلت أتابع, وأجلس مع إبني من مرتبات الصف السابع, وقد سمعت المعلمة تقول لهم: (يا حبايبي يا حلوين ركزوا معي).. لقد أوجعتني هذه الكلمة, أبو صطام كان يناديني أمام الجميع: (تعال يا سطل.. أبو الغش).. كانت هذه أرق عباراته, وذات مرة تخفف في النداء وكان رقيقا وقال لي: (إخس في زقمك مثل الجدي)..
أتابع مع إبني الحصص, وليكن بمعلوم وزير التربية..أني تقدمت بالنيابة عن ياسر في امتحان الرياضيات وحصلت على (15 من 40).. لقد رسبت, وعاتبني الفتى.. قال لي: أنت تعرف نفسك أنك كسلان في الرياضيات, لماذا لم تقل لي؟.. ولكني وعدته أن أعدل النتيجة في امتحان التربية الإسلامية, وصحوت اليوم مبكرا.. وها أنا أدرس بتركيز.
لكني بصراحة مستمتع, أعادني التعليم عن بعد إلى صباي... صرت استمع لعبارات رقيقة..فقد قالت لنا معلمة الرياضيات أمس: (الله ايوفئكوا يا حبايبي ديروا بالكوا ع حالكوا).. يا إلهي كم كانت العبارات جميلة, وقد علمني ابني كيف افتح الصوت دون الصورة, وتجرأت وقلت لها: (شكرا يامس الله ايوفئك أنت كمان).. ولم ينتبه أحد.
التعليم عن بعد الغاية منه هي أولادنا, ولكنه بالمناسبة ذكرني (بأبو صطام).. لقد استهدفنا نحن الكبار أكثر من الصغار, وأعاد فينا الحنين..
أنا لا أعرف هل كانت الايام قاسية علينا, أم نحن من كنا نعتبر القسوة حنينا.. لا أعرف ولكني أجهز نفسي الان لحضور حصة اللغة العربية مع (مس تمارا).. ترى ما هي أخبار (أبو صطام)؟
[email protected]