كتاب

تشكيلة هادئة في وقت معقد

سيستغرق الحديث عن التشكيلة الحكومية التي أدت اليمين الدستوري في حضرة جلالة الملك بالأمس الأيام القادمة، وعادةً ما لا تسلم أي حكومة من الانتقادات لتشكيلتها، إلا أن هذه التشكيلة الوزارية يجب ألا تمثل موضوعًا يتوقف أمامه المتابعون طويلًا كما أنه لا يبدو من الأولويات التي يجب مناقشتها بخصوص حكومة الرئيس بشر الخصاونة التي ستباشر العمل دون الحصول على مهلة الأيام المئة التي كانت تتاح لرؤساء الوزراء السابقين، فهي حكومة ولدت لتلبي استحقاقًا دستوريًا وتتسلم مهامها في خضم أزمة غير مسبوقة على المستويين المحلي والدولي.

وعلى الرغم من ذلك، يعتبر متخصصون في الشأن السياسي تشكيلة الحكومة مؤشرًا مهمًا يمكن من خلاله استقراء توجهات الرئيس، وطريقته في العمل، وهو ما يجعل تقديم قراءة مبدئية للحكومة أحد التقاليد التي لا يمكن تجاهلها، دون الإسهاب الذي لا تتطلبه ولا تتحمله المرحلة.

من الناحية الشكلية، حرص الرئيس المكلف على مشاورة رئيس مجلس الأعيان بوصفه رئيسًا للسلطة التشريعية، ومع أن الرئيس كان يفترض أنه استقر على تشكيل مبدئي في تلك المرحلة، فإن خطوته تبقى محلًا للتقدير ومؤشرًا على احترامه للتشاركية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما وشملت المشاورات مجموعة من الرؤساء السابقين الذين يمتلكون خبرة في التعامل مع الأسماء المرشحة سواء ممن كانوا يشغلون مناصب وزارية أو مناصب قيادية في هيكل الحكومات السابقة.

انعكست عناية الرئيس باستدعاء مجموعة من الوزراء من الجهاز الحكومي نفسه على تشكيلته، فالرئيس يدرك أن بعض الملفات لا تتحمل التأجيل أو التسويف، وبعضها ملفات ساخنة ومفتوحة على مصراعيها، وكنموذج لذلك أتى تعيين وزير الصحة القادم من لجنة الأوبئة والمطلع على كافة التفاصيل المتعلقة بالجهود المبذولة على مستوى الوضع الوبائي الذي أخذ يتطور بصورة مقلقة، ومعه وزير السياحة الذي لن يحتاج وقتًا طويلًا لتسلم ملفات وزارته والتعامل بصورة سريعة مع المعاناة التي يعيشها القطاع السياحي، أما وزير الصناعة والتجارة فتمتلك خبرة واسعة في الوزارة ولديها علاقات متميزة مع المنظمات الدولية المختصة بالتجارة، هذه أمثلة على تيار رئيسي يتواجد في الحكومة.

بجانب التيار الذي سيتولى الملفات العاجلة والحرجة، حرص الرئيس على رفد وزارته بدماء جديدة تمتلك الحماس للعمل ولترك بصمة خاصة في مجالاتها، ويشترك معظم الوافدين الجدد في امتلاكهم لخبرات عملية في مجالاتهم أظهرتها السير الذاتية التي نشرها الإعلام قبيل أداء اليمين الدستوري.

لا توجد تشكيلة حكومية يمكن أن ترضي الجميع، والحسابات في حكومة الرئيس الخصاونة كانت معقدة إلى درجة كبيرة، ونبرة النقد لأداء الحكومة السابقة كانت عالية في الأسابيع الأخيرة، ومع ذلك استبقى الرئيس مجموعة من أعضائها ضمن تقييمات كان قريبًا منها أثناء عمله بجوار جلالة الملك، أو نتيجة وجود ملفات يجب استمرارها وليس من الحكمة أو الحصافة إضاعة أسابيع من الزمن في عملية الاستلام والتسليم لمجرد تقديم تغيير شكلي يسترضي الشارع السياسي، ومنها ملف الخارجية على أعتاب الانتخابات الأميركية والتحديات الإقليمية المرتبطة بها، وملف التنمية السياسية قبل الانتخابات القادمة والتعويل على أن تستقدم مجلسًا نيابيًا يستطيع تبني الإصلاح السياسي المأمول.