د. أحمد يعقوب المجدوبة
واضح أنّ الأمر الصحيّ يتبوأ الأولوية الأولى الآن، وهذا ما يؤكده كتاب التكليف السامي لحكومة بشر خصاونة ويفرضه علينا خروج الأمور عن السيطرة في موضوع الجائحة.
عدة أمور تُقلقنا الآن أكثر من أي وقت مضى. منها الارتفاع الحاد في عدد الإصابات بالفيروس وعدد الوفيات، ومنها الإرباك الحاصل في إيقاع الحياة اليومية والمؤسسية، ومنها التأثير السلبي على الظروف المعيشية لمن يعمل في القطاع الخاص بالذات وعلى الأعمال باختلاف أنواعها وعلى اقتصاد البلد؛ ومنها أن إدارتنا للأزمة لم تعد بالمستوى المطلوب.
وهنالك أبعاد ليس أقلها أهميةً انعكاس الجائحة على نفسية الناس وعلى صحتهم الذهنية.
وفي ظل عدم نجاح أو نجاعة السياسات والتدابير المتخذة للآن والتقليل من آثارها السلبية التي أصبحت تكبر ككرة الثلج، لا بد من نهج جديد، نهج يلائمنا لكنه يفيد من التجارب الناجحة في التعامل مع الوباء؛ وهنالك عدة تجارب دولية ناجحة يُمكن الإفادة منها.
هنالك ثلاثة أبعاد لا بد من التعامل معها بفاعلية معاً، دون تغليب واحد على غيره.
الأول ويتعلق بصحة الناس، وهو على مستويين: مستوى حمايتهم من الإصابة بالفيروس وتوفير الرعاية الملائمة لهم إذا أصيبوا، ومستوى الصحة النفسية والعقلية بسبب آثار الجائحة، والذي أهمل لغاية الآن.
الثاني ويتعلق بتجنيب الأعمال المختلفة في القطاع الخاص الإغلاقات والحجر، شاملة كانت أم جزئية. الإغلاقات أضرّت وتُضرّ بالكثير من الأعمال والتي يعتاش منها العديد من الأُسر، سواء ممن يملكون المشاريع أو ممن يعملون فيها.
من يعملون في قطاعات الفندقة والمطاعم والألبسة والصناعات المختلفة والنقل والخدمات تأثرت رواتبهم سلباً، والبعض فقدوا وظائفهم. وهذا أمرٌ جدّ جاد، لاسيّما وأن نسب الفقر والبطالة في ارتفاع.
أما الثالث فيتصل بإيقاع العمل والحياة والدراسة، الذي يجب أن يكون أقرب إلى العادي ما أمكن، مع تعظيم الفائدة من البُعد الإلكتروني.
نحن أمام ظرف استثنائي، والحياة في ظل الجائحة لا يمكن أن تكون كما كانت عليه، وعلينا أن نضحّي. نعم.
وندرك أيضاً أن هنالك العديد من الإجراءات والتدابير التي يجب أن تُتخذ، حتى ولو كان بعضها مُزعجاً.
لكن هذا شيء والإغلاقات المُربكة شيء آخر.
واضحٌ الآن أن الرّهان في السيطرة على الجائحة، إلى أن يأتي اللقاح المُنتظر، يتمثّل في مجموعة إجراءات يُنفذها الناس أنفسهم بمساندة وإدارة حكيمة من الدولة، إجراءات تتجسد في التباعد الجسدي في كلّ الأماكن، وارتداء الكمّامة على النحو المُحكَم المطلوب، وفي غسل اليدين باستمرار، وتجنّب التجمعات الكبيرة.
نقوم بذلك وغيره مما يطلبه خبراء الصحة، لكننا نُبقي شريان الحياة يتدفق بما هو أقرب للمعتاد. وهذا ما فعلته الدول التي تعاملت مع الجائحة بنجاح واضعة نصب عينيها الثالوث المذكور أعلاة: الصحة والاقتصاد وإيقاع الحياة.
وكلّ ذلك يتم بحملات مُحترِفة ومُكثّفة هدفها ترسيخ وعي المواطن وتمتين التزامه بالقواعد، بعيداً عن الوعظ الذي لا يجدي أو إلقاء اللوم عليه.
الحلول المطلوبة هي حلول على المستويات الثلاثة معاً، وبشراكة مع المواطن. وهنا يكمن مربط الفرس.