أبواب

كيفية التدريب على القراءة السريعة

بقلم: أ.د. جودت أحمد المساعيد

خبير المناهج وطرق التدريس

يطرح المربون والعلماء العديد من التدريبات على القراءة السريعة، التي لو اتبعها القارئ لأدرك السرعة المتزايدة في قراءته من وقت لآخر. وتتمثل أهمية هذه التدريبات في حرص الفرد على تشجيع نفسه على القراءة السريعة اليومية، وذلك حتى تتولد لديه القناعة بالفائدة أولاً، وحتى تصبح تلك القراءة سلوكاً يومياً أو عادة منتظمة في التعامل مع كل مادة مقروءة ثانياً. وهنا، فإن العملية في بدايتها ليست بالبسيطة، وأن تعويد النفس على شيءٍ جديدٍ تتخلله بعض الصعوبات، لاسيما عندما يترافق ذلك مع الأخطاء التي تقع من وقتٍ لآخر. ومع ذلك، فإن على القارئ أن يجتاز هذه المرحلة بالتصميم على التحسن في مجال القراءة السريعة والاستعداد له نفسياً، مع ربط ذلك كله ببذل الجهود الحثيثة لتحقيقه. كما ينبغي أيضاً البدء بتشغيل المنبه والعمل على حساب الوقت، فإذا كانت النقطة السابقة تركز على الاستعداد النفسي للبدء بالقراءة السريعة، فإن هذه النقطة تطالب بأن تتم العملية بدقة متناهية، وذلك عن طريق حساب السرعة. وإذا كانت السرعة تقاس قديماً بالمسافات، فإنها اليوم تقاس بالساعات والدقائق والثواني. وحتى يتم التأكد من حصول سرعة في القراءة، فإنه لا بد من حساب الزمن الذي يستغرقه القارئ للكتاب أو القصة أو البحث عن طريق ما يسمى بساعة التوقف Stop Watch. وبعد ذلك يتم إتخاذ أسلوب المسح السريع وسيلة للقراءة السريعة، بحيث يتم تصفح المادة المراد قراءتها سريعاً، وذلك من أجل التعرف إلى العناوين المهمة والأفكار الرئيسة. كما ينبغي الحرص على قراءة العبارات بدلاً من قراءة الكلمات، فتركيز الشخص على قراءة كل كلمةٍ لوحدها مع تحريك الشفتين، سيؤدي إلى تأخير السرعة القرائية لديه، مما يتطلب منه تغيير اهتمامه إلى النظرة الواسعة للمادة المقروءة والعمل على قراءة الجملة بدلاً من الكلمة، بل والانتقال إلى قراءة السطر أو مجموعة السطور بدلاً من الكلمة أو الجملة الواحدة. وبعد ذلك يتم الامتناع عن حركة الرأس المرافقة لحركة العين، حيث يميل الكثيرون من القُراء، إلى تحريك رؤوسهم بالتزامن مع حركات عيونهم، مما يؤدي إلى الملل والإجهاد لديهم. لذا، ينبغي الاكتفاء بحركة العين فقط، وأن تقتصر حركة الرأس من أجل استعادة النشاط. ومن الضروري أيضاً ضرورة التركيز جيداً خلال عملية القراءة، وإبعاد المشتتات عن ذهن القارئ كالضوضاء المنبعثة من الناس، أو السيارات، أو أصوات المذياع أو التلفزيون، مما لا يضعف من الفهم فحسب، بل ويؤدي كذلك إلى زيادة الضغوط النفسية على القارئ. هذا ناهيك عن أن السرعة في القراءة تقل عندما يضعف تركيزه القرائي. وهنا، فإنه يستحسن إنعاش الذاكرة بأخذ قسطٍ من الراحة، حتى يعود القارئ بحيويةٍ ونشاطٍ وبدرجةٍ أفضل، مع تجنب عملية تهجئة الكلمات، والاقتصار على النظر إليها فقط في حال الكلمات الصعبة، لأن الأفضل هو النظر إلى العبارات والسطور، وعدم الابتعاد عن نطق الكلمات أو حروفها أو حتى تحريك الشفاه، لأن كل ذلك يمثل عوائق تحول دون السرعة الملائمة للقراءة. كما لا بد من تجنب القراءة بصوتٍ مرتفع، لأن ذلك يؤدي إلى إبطاء السرعة القرائية للفرد، وقد يعود وجود هذا السلوك لدى الكثير من الناس إلى مرحلة الطفولة، ولم يستطيعوا التخلص من هذه العادة، بعد أن تأصلت لديهم، مما يحتم عليهم إذا أرادوا تطبيق القراءة السريعة حسب الأصول، أن يمتلكوا الإرادة القوية في التخلص من هذا النمط من السلوك في القراءة بصوتٍ مرتفع.

ويأتي بعد ذلك تنمية المفردات اللغوية والرصيد اللغوي لدى الفرد عن طريق الإكثار من قراءة الصحف والمجلات الورقية والالكترونية، من أجل التدريب على القراءة السريعة، قبل البدء بقراءة الكتب والقصص والبحوث المعروفة، مع تجنب عملية الارتداد لقراءة الكلمات السابقة التي تمت قراءتها من قبل أو ترديدها من جديد، لأن ذلك سيكون على حساب الوقت، مما يؤدي إلى التباطؤ في القراءة، مع إتقان حركات أصابع اليد التي تساعد على القراءة السريعة، إذ يُطلق العلماء على أصابع اليد واستخداماتها في القراءة إسم (منظم القراءة) والتي تتم بالتنويع في مجموعةٍ من الحركات كالقراءة باستخدام إصبع السبابة من بداية السطر حتى نهايته، وعند نهاية السطر يتم تحريك الإصبع حتى لا تستمر العين في تركيزها على نهايته، ثم القراءة بتحريك الأصابع من منتصف الصفحة إلى أسفلها، والقراءة بحركة الحرف (Z) باليد، والقراءة بتحريك الأصابع من أعلى إلى أسفل، ثم من أسفل إلى أعلى، على شكل حرف (V)، والقراءة عن طريق القفز عن المواد الصعبة، والقراءة بتحريك السبابة إلى السطر التالي لما نقوم بقراءته، والقراءة باستخدام أكثر من إصبع.

ومن الخطوات التدريبية الأخرى الحفاظ على حاسة البصر عن طريق الفحص الدوري للعينين للتأكد من سلامة الإبصار، وإذا تبين وجود ضعفٍ في ذلك، فلا بد من استخدام العدسات الملائمة قبل عملية القراءة، حتى لا تتراجع قوة الإبصار، مع تقوية مهارات الاسترجاع للأفكار، وذلك من أجل زيادة نسبة الاستيعاب لدى القارئ. فالإنسان يميل إلى نسيان المعلومات مع مرور الزمن في حال عدم استعراضها بشكل متكرر، والتدريب الفعلي على القراءة السريعة باستخدام أجهزة ضبط الوقت، وعدم الاكتفاء بالتدريب على القراءة العادية. وفي هذه الحالة، فإن على المهتم بالسرعة في القراءة أن يعمل على تحديد الفترات الزمنية، التي تقل مع كل مرة يقوم فيها بالقراءة، حتى يشعر بأنه يطبق القراءة السريعة حسب الأصول، ووضع علاماتٍ أو ألوانٍ على الأفكار الرئيسة للكتاب أو القصة أو البحث، حتى يسهل أخذ ملخصٍ عما تتم قراءته، والإلمام بالسرعات المختلفة للقراءات المتعلقة بالكتب والمقالات والقصص، والتركيز أثناء القراءة السريعة على الأسماء أولاً، ثم الأفعال المرتبطة بها ثانياً، وكذلك الضمائر ثالثاً، وذلك من أجل استخلاص الفكرة الرئيسة، وتجنب تناول الأطعمة ذات المحتوى العالي من السكريات خلال القراءة، واستخدام نظام الأجوبة على أسئلةٍ رقميةٍ أو ما يسمى أحياناً بنظام الأسئلة المفتاحية، والتي لها دلالات في الإجابة، بحيث عندما ينظر إليها القارئ، فإنه يمكن له أن يسترجع المعلومات ذات العلاقة، مع كتابة الملاحظات الهامشية أو وضع خطوطٍ تحت النقاط المهمة أو الأفكار الرئيسية، أو عمل الرسوم التخطيطية، وأخيراً حساب السرعة في القراءة من جانب القارئ، إذ لا يجوز أن يمارس الفرد القراءة السريعة دون معرفته لكيفية حساب السرعة لتلك القراءة. فمثلاً، يمكن لذلك الفرد أن يختار نصاً مؤلفاً من (200) كلمة، وعادة ما يتراوح في عدد صفحاته ما بين (6-8) صفحات. وهنا ينبغي تقسيم عدد كلمات النص المطلوب قراءته على وقت القراءة الفعلي وبالثانية، ثم ضرب النتيجة في (60)، وذلك من أجل حساب سرعة القراءة لعدد الكلمات في الدقيقة الواحدة.

profjawdat@yahoo.com