د. أحمد يعقوب المجدوبة
الانتخابات النيابية على الأبواب، وأحد أهم الأسئلة التي يتداولها الناس يتعلق بجدوى الإدلاء بأصواتهم يوم الاقتراع.
هل أدلي بصوتي أم لا؟
ومعظم من تحدثت معهم يميلون إلى العزوف.
«ما الجدوى؟» - يقولون
تولّد شعور لدى العديد منّا، عبر سنوات عدّة، بأن البرلمانات المتعاقبة لم تُحقق شيئاً يذكر، سواء على مستوى اللواء والمحافظة أم على مستوى الوطن.
وكذلك على مستوى قضايا الأمة.
فردياً وجماعياً، أداء برلمانيينا لم يقنع الكثيرين.
يقول الناس الآتي:
كلام كثير يقال تحت القبة، لكنه يبقى على مستوى «الخطاب»: عبارات رنّانة ونارية، لكنها تبقى جعجعة بلا طحن.
هذا وقد سئِم الناس الكلام العاطفي الشعبوي، والصوت العالي. ويريدون من يعمل - في الملأ أو في الخفاء - ويقدّم حلولاً للقضايا أو يحاول فعلاً..
الكلام من أجل إثبات الوجود، على مبدأ «أنا هنا» أو من باب رفع العتب أو الاستهلاك الشعبي أو تسجيل المواقف لم يعد يجدي.
الناس يتابعون بدقّة، يرصدون القضايا والأحداث، يراقبون الأداء، ويقيّمون النتائج، ويحكمون بناء على ما تَحقّق.
وهم - في تقديرنا - منطقيون في توقعاتهم، عادلون في أحكامهم، رغم أن البعض لا يظن ذلك. وهذا خطأ شائع.
وقد ملّوا حروب طواحين الهواء.
أسباب أخرى كثيرة تدعو الناخبين للعزوف، ومن أهمها ما يتعلق بسلوكات بعض أعضاء المجلس التي لا ترقى لهيبة المكان، وارتباط أسماء بعضهم بقصص وقضايا سلبية معاكسة لمطالب الناس، واختفاء البعض عن الساحة وانقطاعهم عن الناخبين بمجرد الفوز.
بيد أن المهم التأكيد عليه هنا - على أهمية كل ما ذكر أعلاه - ضرورة المشاركة في الانتخابات لأسباب أسمى وأبعد مدىً، ومن أهمها الاستمرار في تنمية الحياة البرلمانية.
نُذكّر أن التنمية السياسية من أهم مطالب المجتمع، كما أكّدت الأحداث التي توالت منذ كانون الثاني 2011 والتي عرفت بأحداث «الربيع العربي» والتي جُنِّبنا شرورها بسبب السّمات الإيجابية الكثيرة لدولتنا.
والتنمية السياسية تكون منقوصة دون حياة برلمانية فاعلة.
لا بل إنّ العمل البرلماني القويّ والمؤثر هو بمثابة القلب والمركز للحياة السياسية الفاعلة.
ومن هنا نقول: إنّ شعور العديد منّا بخيبة أمل أو إحباط من أداء برلمانيينا وبرلماناتنا لا يجب أن يُثنينا عن الاستمرار بالدفع نحو تطوير الحياة البرلمانية والتي هي ركنّ أساسي من أركان الديمقراطية.
نعي بالطبع أن الحياة البرلمانية لا تكون فاعلة إلاّ إذا كانت هنالك حياة حزبية فاعلة؛ ونعي أن الحياة الحزبية الفاعلة غائبة في الوقت الحاضر بسبب غياب الأحزاب الفاعلة، التي تقدّم للناس منابر رصينة يعملون من خلالها.
لكنّ الحلّ لا يكون بالعزوف عن الحياة البرلمانية بل بالتصميم على إحيائها وإنجاحها.
ولا يكون ذلك إلاً بالإقبال على الانتخابات بحماسة والضغط باتجاه برلمانيين أصحاب رؤى ومشاريع وعلم وثقافة وصدقية ورغبة في خدمة المجتمع وفي السعي للتغيير.
وهنالك مثل هؤلاء في كلّ دورة انتخابية.
إن لم ندلِ بأصواتنا من أجل برلمانيين بعينهم، فلنفعل ذلك من أجل إعطاء الحياة البرلمانية فرصة للنمو والتطور، على مبدأ «نزرع فيأكلون».