د. أحمد يعقوب المجدوبة
هنالك ثلاث عمليات مترابطة ترابطاً عضوياً في أي عمل، فردياً كان أم مؤسسياً، ألا وهي التّمكين والتقييم والمساءلة.
وهذه العمليات لا يمكن اختزالها أو فصلها عن بعضها؛ كما لا يمكن التفريط بأي منها أو اعتبار واحدة منها أهم من غيرها.
وجودة الأداء، في أي عمل أو أيّ سياق، تعتمد اعتماداً جوهرياً على طريقة تعاملنا مع العمليات الثلاث وعلى درجة تركيزنا عليها مجتمعة.
في العادة، وعند التعامل مع أي مهارة أو مهمّة، نبدأ بالتمكين، والذي يشمل إكساب الفرد المستهدف أو الفئة المستهدفة المعلومات والحقائق والمهارات والأخلاقيات والقيم الكفيلة بأداء يرقى للمرجو.
ويُعزَّز التمكين عادة بالتوعية المستمرة والتدريب؛ كما قد نلجأ لأسلوب التكرار والتمرين بهدف الوصول إلى الإتقان في الأداء، حسب المثل الإنجليزي القائل: «الممارسة المستمرة تُفضي إلى الكمال».
وغالباً ما يدخل التقييم كجزء لا يتجزأ في عملية التمكين؛ فقد يسبقها بهدف البناء والتخطيط، وقد يتخللها بهدف فهم ما تم من أجل تعزيزه أو تصحيح مساره أو الإضافة إليه، وقد يأتي بعدها بهدف تحديد النتاجات المتحققة.
وفي إدارة الجودة الحديثة يُضاف مفهوم التّمتين إلى التّمكين، للتأكد من أن أداء مهمة أو مهارة ما أصبح مُتقناً.
بعد ذلك، وليس قبله، أي بعد التأكد من اتقان الفرد أو الأفراد للمهمة أو المهارة تأتي عملية المحاسبة، والتي تهدف إلى التأكد من عدم قيام أي فرد بالإخلال بالإجراءات أو التعليمات أو الأنظمة، وبهدف معالجة أية اختلالات جوهرية ومحاسبة مرتكبيها، إذا كان الإخلال ناتجاً ليس عن خطأ غير مقصود بل عن تعمّد أو إهمال.
فعند رصد الإخطاء غير المقصودة يكون هدف المساءلة التقييم والتطوير؛ أما في الحالات التي يكون فيها الخلل ناجماً عن إهمال واضح أو فعل متعمد فلا بد من المحاسبة والعقاب.
هكذا تكون الأمور في السياقات الصحيّة الصحيحة المُحترفة.
الإشكال في مؤسساتنا يكمن حالياً في التراخي أو الإهمال في عمليتي التمكين والتقييم من ناحية، والتركيز على المحاسبة بمفهومها المفرّغ من الجزء المعني بالتطوير والتمتين والمؤسس على الجزء المتصل بالترهيب والتلويح بالعصا من ناحية أخرى.
الأصل أن تُركز مؤسساتنا على التّمكين والتقييم والتّمتين، وعلى التطوير المستمر للأداء وعلى مواكبته للمستجدات العملاقة في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي نشهد، والخامسة التي بدأ فجرها يبزغ؟
سؤالان جوهريان نضعهما أمام المخطط وصاحب القرار:
هل تعليماتنا وأنظمتنا وقوانينا ترقى لمتطلبات العصر وتتواءم مع مستجداته وتتناغم مع المطلوب للنهوض بمجتمعنا؟
هل يتلقى العاملون في مؤسساتنا على اختلاف وظائفهم ومناصبهم التمكين الكافي، والتقييم الهادف لتطوير الأداء، والتمتين المُفضي للجودة، والتقييم المعزز للمهارة، والتعامل الإنساني القائم على الثقة والاحترام والتشجيع والتحفيز.
والجواب هو: لا وكلاّ؛ اللهم إلا في حالات محدودة، فمعظم قطاعاتنا كبرت وهرمت وترهلت، وهي بحاجة إلى تعليمات وأنظمة وقوانين تحاكي العصر وتستشرف المستقبل، ومعظم موظفيها وإدارييها لا يتلقون التعليم والتدريب والتمكين والتمتين والعناية الإنسانية على نحو كافٍ.
وبناء على ذلك نقول: مَكِّن طوِّر عزِّز متِّن قيِّم وأدِم أولاً.