د. أحمد يعقوب المجدوبة
أحد أهم الأسئلة المتصلة بالحاكمية، قديماً وحديثاً، يتمثل في الآتي: هل يفعل من يتبوّأ موقعاً قيادياً الصحيحَ أم الشعبوي؟
والإجابة قد لا تكون بالسهولة التي نتخيلها، فالحد الفاصل بين ما هو صحيح وما هو شعبوي قد يختلف باختلاف الأماكن والأزمنة والسياقات، وقد تكون بين المفهومين نقاط تقاطع وتلاقي عديدة.
يضاف إلى ذلك أن المعاني والدلالات والإيحاءات في اللغة - أيّ لغة - تتداخل على نحو يصعب التفريق بينها في مواضع كثيرة.
ومع ذلك وعلى نحو عام، فإن المعنيين بالأمر في حالة ما أو سياق ما يستطيعون التفريق بين ما يتم فعله لأنه الشيء الصحيح، وما يُتّخذ بغرض الشعبوية.
فالهدف من الأول هو وضع الأمور في نصابها الصحيح؛ بينما يكون التركيز في الثاني على كسب الرضا. وهذان أمران مختلفان تماماً.
وقد علمتنا التجارب أن القادة الناجحين، في أيّ مجتمع وعلى أي صعيد، هم الذين يفعلون ما هو صواب لا ما هو شعبوي.
لكن، مع الأسف، كثرت في الآونة الأخيرة الحالات التي يقوم بها القادة - والساسة منهم بالتحديد - من أجل نيل الرضا، لا من أجل إحقاق الحق.
ونجد هذه الحالة حتى في الديمقراطيات العريقة والتي أخذت تتراجع وتعاني من تشوهات واختراقات عندما وضع الساسة مصالحهم الذاتية فوق كل اعتبار، وأصبح همهم الأول والأخير الفوز في الانتخابات حتى لو أدى ذلك إلى التخلي عن أهم مبادئهم ومبادئ احزابهم.
وهنالك أمثلة عديد في تلك الديمقراطيات من رؤساء دول ورؤساء وزارة ووزراء وبرلمانيين تخلوّا عن حلفائهم التقليديين وعقدوا تحالفات مع كتل أو أحزاب قد تكون أفكارها مناهضة لأفكارهم من أجل كسب الأصوات ونيل المواقع أو المقاعد.
وهذا أمر غير صحي، وتطور سلبي في الحاكمية، لأن الضحية الأولى في مثل هذه الممارسات الشائعة وغير المحمودة هي غياب أو حتى موت الحق والإنصاف والعدل.
فبينما كان الهدف قديماً، وبالذات في الأنظمة الديمقراطية، هو خدمة الشعب ونصرة الحق، صار اليوم في العديد من الحالات خدمة الذات عن طريق كسب الأصوات بهدف الوصول إلى الموقع لذات الشخص وذات الموقع.
إنها القاعدة السيئة إياها: الغاية تبرر الوسيلة.
بيد أن هذه الحالة المرَضيّة أخذت تنمو وتكبر وتتفشى لتشمل حتى حالات الحاكمية القائمة على التعيين.
وهنالك أمثلة عديدة في عالمنا لحكومات وأشخاص هدفهم الأساس ليس خدمة الناس وتطوير المجتمعات وفق رؤى موضوعية دقيقة وخطط علمية محكمة منبثقة عن تخطيط استراتيجي سليم، بل إطالة أمدهم في الموقع عن طريق نيل الرضا وكسب الشعبية.
وهذا توجه سلبي لن ينجم عنه تحقيق التقدم أو التطور أو النهوض المرجو، وغالباً ما تتجنب الحكومات المعنية معالجة المشكلات والتحديات الكبرى وترحليها إلى من سيأتي بعدها خوفاً من فقدانها للشعبوية.
وننوه هنا إلى المفارقة المهمة، وهي أن الحاكمية التي تسعى إلى فعل الصحيح تنال احترام الشعوب ورضاها، بينما تلك التي تسعى إلى الرضا والشعبوبية لن تُحق الحق ولن تُرسي قواعد العدل.
افعلوا الصحيح إذاً!