د. أحمد يعقوب المجدوبة
كما هو معلوم وقع معظم الدول العربية تحت الاستعمار الأجنبي، وبالذات الأوروبي، بدءاً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولغاية النصف الثاني من القرن العشرين وما بعده.
وما أن حلّت الستينيات من القرن العشرين حتى استقل معظمها رسمياً وانتهت معظم أشكال العلاقة الاستعمارية المباشرة.
نقول «الاستعمارية المباشرة» لأن أشكالاً وأبعاداً استعمارية «غير مباشرة» بقيت تربط العديد من الدول العربية بالمستعمِر، تختلف من دولة إلى أخرى باختلاف درجة استقلالها ووعيها واعتمادها على ذاتها مالياً واقتصادياً وصناعياً وتجارياً وثقافياً وسياسياً وتربوياُ وتكنولوجياً، إلخ.
كي لا ننسى، الحقبة الاستعمارية كانت احتلالاً وقمعاً وذلاً وجحيماً، ارتكب فيها المستعمر أبشع أنواع الاستغلال والجرائم ضد الإنسانية، ودفعت الدول العربية المستعمَرة ثمناً باهظاً لنيل استقلالها.
ومن هنا فنهاية الاستعمار كانت حدثاً تاريخياً كبيراً، وإنجازاً مفصلياً مشرّفاً للعرب، لأن فكرة الاستعمار ذاتها، والمحرَّكة من رأسمالية غربية شرهة ولا أخلاقية قوامها الاستيلاء على مقدرات الآخرين بالقوة، هي سقطة كبيرة في تاريخ البشرية وعار على الأمم التي مارستها.
بيد أن الإشكال في الاستقلال، كما أسلفنا، أنه في حال العديد من الدول العربية «غير مكتمل»، فبقي العديد معتمداً على المستعمِر في العديد من الأمور الأساسية المذكورة أعلاه، مما يجعل استقلاله منقوصاً ويجعل بعضه يحتل موقع التابع.
والأصل هو الاستقلال التام، الذي يقوم على اعتماد المستقل كلياً على ذاته، فاستمرارية الاعتماد على المستعمِر أو التبعية له أمران لهما عواقب وخيمة، من أهمها عدم قدرة المعتمِد أو التابِع على الاستقلال بقراراته، إضافة إلى عدم تمكّنه من إحداث التنمية المطلوبة التي تمكنه من امتلاك زمام أمره.
إذاً في مرحلة ما بعد الاستعمار، الاعتماد على الذات - والذي يعني الاستقلال بكل معانيه وأبعاده - أولوية كبرى.
وهذا ما توجّب على الدول العربية فعله فور استقلالها رسمياً، وهذا ما يجب فعله الآن.
والاعتماد على الذات له بعدان: فردي، أي اعتماد كل دولة على حدة على نفسها؛ وجمعي، أي اعتماد الدول العربية مجتمعة على بعضها البعض.
وأضعف الإيمان، في غياب الإرادة الجماعية، هو البعد الأول.
ونُنوّه هنا أن الاعتماد على الذات لا يعني العزلة عن الآخرين أو عدم الدخول في علاقات مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
لكن المبدأ الأساس هنا أن تُؤسَّس هذه العلاقات على مبدأ الندّيّة والتعاون والمصلحة المشتركة، لا على التّبعيّة أو الشعور بالنقص أو التضحية بالمبادئ والكرامة وحقوق العرب منفصلة أو مجتمعة.
لقد أجرمت الدول المستعمرة بحق العرب لقرن ونيف من الزمن، وما زالت؛ وكان على العرب بعد دحرها ونيل استقلالهم بالسياسة تارة والدم تارة أخرى أن يطالبوا بتعويض عادل عمّا اقترفه المستعمِر في تلك الحقبة، قبل تطبيع العلاقات معه؛ والوقت لم يفت بعد.
لكن المطلب الذي لا تهاون فيه هو الجزء المُكمّل للاستقلال: الاعتماد الكلي على الذات، حتى لا يبقى المستعمِر القديم والجديد يتدخلان في أمورنا ويفرضان علينا أجنداتهما الشريرة، التي لا ينجم عنها سوى خدمة مصالحهما والضرر بمصالحنا.
أفيقوا!