أبواب - زياد عساف
«.. وانفض الاجتماع دون أن تحسم اللجنة أمرها في اختيار اسم نادي كرة القدم المنوي تأسيسه، وانتهى اللقاء بتوجيه العتاب لأحد أعضاء اللجنة الذي وصل متأخراً وعلل ذلك بأنه كان في دار السينما يشاهد فيلم «وداد» لكوكب الشرق أم كلثوم، وفي اللحظة نفسها وبالصدفة علت أصوات زغاريد نسوة من البيوت المجاورة، مابعث التفاؤل في نفوس الأعضاء وقرروا إطلاق اسم الفيلم على النادي، ومن هنا جاءت تسمية (نادي الوداد) أعرق الأندية المغربية.
وقع هذا الحدث في العام 1937 متزامنا مع تصوير الفيلم المصري (شالوم الرياضي) للمخرج توجو مزراحي ويحكي قصة شاب يرث ثروة كبيرة ويتبنى أحد الموهوبين في كرة القدم ويلحقه في النادي الذي يشجعه على أمل أن يحقق فريقه المفضل الفوز في الدوري العام، ولكن لأي درجة يعكس هذان الحدثان المهمان العلاقة التي تربط مابين كرة القدم والسينما، وبمعنى أدق: ماذا قدمت السينما لكرة القدم، وماذا قدمت هذه اللعبة الأكثر شعبية للسينما ؟
اشاعة حب..
«إشاعة حب» واحد من الأعمال التي لا يمل محبو الأفلام القديمة من مشاهدتها عبر الفضائيات حتى الاّن رغم مرور ستة عقود على العرض الأول، وتم ترجمته للغات أجنبية لتشاهده الجاليات الأجنبية في مصر والبلاد العربية بعد أن لاقى استحساناً لدى هذه الفئة، أبدع أبطال الفيلم في أداء أدوارهم بدءا من عمر الشريف وسعاد حسني ويوسف وهبي وعبد المنعم ابراهيم وحتى وداد حمدي التي قامت بدور (الشغالة)، وبقيت الإشكالية في أداء (عادل هيكل) حارس مرمى الأهلي في الستينيات والذي ظهر بشخصيته الحقيقية ضمن أحداث الفيلم، إلا أن حضوره بدا جامداُ وغير مقنع ولم يكن الهدف من مشاركته سوى استقطاب أكبر عدد من المشاهدين على شباك التذاكر نظراً لكثرة مشجعي هذه اللعبة وشعبية النادي الأهلي المصري تحديداً.
تكررت هذه التجربة ذاتها مع حارس مرمى الأهلي (إكرامي) الذي لم تشفع له وسامته بجانب إبداعه كرياضي من تحقيق النجاح كممثل، وظهر عليه الافتعال في الأعمال التي شارك بها وهي: (رجل فقد عقله) 1978، (مرسي فوق مرسي تحت) 1981 و(يارب ولد) و(إحنا بتوع الإسعاف) وكلاهما إنتاج عام 1984.
انسحاب..
لتحقيق الغاية الربحية أيضاً تم التعاقد مع كابتن الأهلي صالح سليم للمشاركة بثلاثة أفلام ولكن بشخصية مختلفة عن شخصيته الحقيقية، وظهر لأول مرة بفيلم (السبع بنات) إنتاج عام 1961، وتولى دور البطولة بعد ذلك بفيلمي (الشموع السوداء) 1962 و(الباب المفتوح) 1963، ورغم إشادة النقاد والمقربين بأدائه إلا أنه كان يعلم بقرارة نفسه أنها من باب المجاملة وهو لايصلح للتمثيل وقرر الانسحاب من الوسط السينمائي، بالرغم من تطور أدائه الملحوظ بفيلم الباب المفتوح اّخر أعماله.
لم تتوقف لعبة الإنتاج السينمائي على استثمار شهرة اللاعبين وتعدى الأمر بتوظيف المشاهير من المعلقين على مباريات كرة القدم أمثال الكابتن محمد لطيف الذي ظهر بشخصيته كمعلق رياضي بمجموعة أفلام منها: الشياطين والكورة 1973، غابة من السيقان 1974، في الصيف لازم نحب 1974 والمحفظة معايا 1978.
لاعب الكرة..
من الماّخذ على بعض الأعمال السينمائية المرتبطة بكرة القدم اعتمادها على فكرة الشخصية الخارقة في تحقيق الفوز والتي هي أقرب للخرافة وأبعد ما تكون عن المنطق ومن الأمثلة على ذلك: فيلم (لاعب الكرة) للفنان دريد لحام إنتاج 1968 ويؤدي دور حارس مرمى غير مؤهل قادته الصدفة لهذه المهمة، ولتحقيق النصر تناول حبوب القوة والشجاعة بناء على وصفة طبيبه الخاص به، وبفكرة مشابهة جاءت أحداث فيلم (أونكل زيزو حبيبي) 1977، ويقوم محمد صبحي بدور (زيزو) ضعيف البنية هزيل الجسد ويطمح لأن يصبح بطلاً في عالم الرياضة، ولتحقيق ذلك يتناول عقاقير مستخلصة من الأعشاب تمنحه القوة ويحقق إنجازات في عدة العاب رياضية ومنها كرة القدم بطبيعة الحال.
الحرِّيف..
في معظم الأفلام تم توظيف لعبة كرة القدم كحدث غير أساسي ضمن مجريات الفيلم ومجرد حبكة ضمن قصة عاطفية أو بوليسية عادية، في المقابل كان هناك قلة من الأعمال كانت اللعبة محور العمل ومن خلالها تم ابراز واقع الفساد المالي والسياسي والإجتماعي أيضاً، ومن هذه الأعمال (4-2-4) إنتاج عام 1981، وتبدأ القصة عندما يرث منصور(يونس شلبي) نادي وفريق رياضي يوصيه والده بمتابعة شؤون الفريق، يتطرق العمل لجشع اللاعبين بعد تحقيق الشهرة ومغالاتهم في طلب الأجور، والسمسرة واختيار لاعبين غير مناسبين من حيث العمر واللياقة وهذا ما يحدث على أرض الواقع.
ومن أجواء الحارات الشعبية والكرة الشراب يتطرق فيلم (الحرِّيف) 1983 للمخرج محمد خان للطبقة الفقيرة المسحوقة من خلال حكاية فارس (عادل إمام) الإنسان البسيط الحالم ويعمل في مصنع أحذية ويعيش حالة من القلق وعدم الإستقرار في العمل والزواج، واحترافه للعبة كرة الشراب في الحواري مقابل المراهنات، ويختتم الفيلم بعد خوضه لاّخر مباراة بالجملة الشهيرة مخاطباً ابنه الوحيد (خلاص.. زمن اللعب راح !)، بعد أن قرر العمل مع أحد رموز الإنفتاح ما يعني وداعه لعالم الحلم والبراءة.
الدرجة الثالثة..
عن جمهور الدرجة الثالثة في المدرجات وعبر صياغة ذكية جاء فيلم (الدرجة الثالثة) 1988، للمخرج شريف عرفة وبطولة أحمد زكي في دور البطل الشعبي سرور، وسعاد حسني في شخصية نعناعة ومجموعة من نجوم السينما العربية وأهمية هذا العمل تكمن في إبرازه للصراع الطبقي المتمثل بجمهور الدرجة الثالثة الفقراء بطبيعة الحال، ووجودهم في الملاعب بأجواء الشمس الحارقة والبرد بالرغم من الدور الفاعل لهذه الفئة بفوز الفريق من خلال التشجيع الصادق النابع من القلب بعيداً عن أي حسابات مادية أو نفعية، وفي المقابل حالة الرفاهية التي يعيشها الفريق الإداري وما يطلق عليهم حبايب النادي والمكاسب التي يستحوذون عليها دون عناء وما يمثلونه من رمزية الفساد في المجتمع، وتسعى الطبقة المتنفذة لنسف مدرج الدرجة الثالثة بهدف إقصاء هذه الفئة عن المدرجات بعد اكتشاف الأخيرة الفساد والزيف الذي تمارسه الطبقة المستغلة ويتصدى لهم أهل الحي بقيادة سرور ونعناعة، وفي النهاية يعود جمهور الدرجة الثالثة للمدرجات الخاصة بهم.
ضربة جزاء
فيلم (ضربة جزاء) 1995 للمخرج أشرف فهمي ومن خلال التيمة نفسها يشير لحالات عديدة من الفساد ومنها الإشارة لمحام يتحول لحكم مباريات الأندية، والتلاعب بصعود ناد من الدرجة الثانية للدرجة الأولى وشراء ذمة اللاعبين.
وبفيلم (مرجان أحمد مرجان) 2007 يلجأ مرجان (عادل إمام) لتنصيب نفسه رئيساً لفريق كرة القدم في الجامعة واستخدام الرشوة لتحقيق الفوز على الفريق المقابل حسب طريقة تفكيره باعتباره من طبقة رجال الأعمال وحسب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة .
واحد صفر..
لجأ مجموعة من المخرجين والكتاب الى الإقتباس عن الأفلام الأجنبية فيما يتعلق بهذا الموضوع فبالإضافة لفيلم (4-2-4) المأخوذ عن مسرحية الورثة الإيطالية، و(غريب في بيتي) المقتبس عن الفيلم الأميركي (goodbye girle) انتاج 1977، قدمت السينما المصرية عام 2015 فيلم (كابتن مصر) وهو استعارة لعنوان فيلم محمد الكحلاوي القديم ومقتبس عن الفيلم الأميركي (mean machine)، وسواء فيما يتعلق بهذا الموضوع أو غيره فإن فكرة الإقتباس لم تخدم السينما العربية كثيراً، واستعادة نماذج من هذه الأعمال خير دليل على صحة هذا الرأي.
تنوعت الأفلام المنتجة في السنوات الأخيرة المتعلقة بهذا الصدد من حيث القيمة والجودة ومن بين هذه الأعمال: (الزمهلاوية) 2008، و(واحد صفر) للمخرجة كاملة أبو ذكري و(العالمي) للمخرج أحمد مدحت إنتاج 2009.
كابتن مصر..
صورة المرأة في السينما العربية شابها الكثير من التشويه والتجني غير المسؤول، وفيما يتعلق بهذا الموضوع إقتصر دور المرأة بأفلام عدة على إغواء اللاعب المحترف والسير به نحو عالم السهر والخمور والرذيلة بحجة إبعاده عن ساحة الملعب لأسباب عدة منها لضمان فوز النادي الخصم، أو لأن بعض النسوة بحسب رأي المخرج والكاتب يملن للرجل الرياضي القوي والنجم وعندما تتراجع شهرته تلتف على رياضي اّخر، وفيلم (عاشور قلب الأسد) 1961 لعبد السلام النابلسي مثالاً على ذلك.
«كابتن مصر» 1955 أحد الأعمال السينمائية التي قدمت المرأة بهذه الصورة السلبية، قام بدور البطولة محمد الكحلاوي وهو بالأساس لاعب كرة قدم محترف قبل أن يتفرغ للغناء والتمثيل وأصبح كابتن فريق نادي السكة الحديد في مصر، ويؤدي بالفيلم دور لاعب يسعى لأن يحترف بواحد من الأندية ويحقق الشهرة ويطمح بالزواج من جارته، وهنا يدخل غريمه على الخط ويوعز لواحدة من فتيات الليل للتغرير به وينزلق على إثرها بعالم اللهو والسهر، وأخذ يتراجع في مستواه ما أوجد حالة من الصد والنفور من طرف أهله وأبناء حارته بعد هذه السقطة، وفي النهاية يعود للملاعب حسب ما تقتضيه النهايات السعيدة المتعارف عليها بهذه النوعية من الأفلام.
حديث المدينة..
«حديث المدينة» 1964 فيلم (زملكاوي) بامتياز ارتبط بمعشوقة الملايين كرة القدم، وبطل الفيلم عصام بهيج يعد من أشهر لاعبي نادي الزمالك منذ نهاية الخمسينيات ولاعب رئيسي في المنتخب القومي المصري (1953–1960)، شاركه البطولة سميرة أحمد وشويكار، ويؤدي دور لاعب كرة مشهور يقع في حبائل فتاة لعوب وينحدر مستواه ويتم رفده من الفريق ويتعاون أصدقاؤه من اللاعبين في إعادته للمستطيل الأخضر ويسترد نجوميته ويعود لاعباً مشهوراً، لم يكرر عصام بهيج التجربة بعد إخفاقه في مجال التمثيل، كذلك لم يفلح بالتمثيل اللاعبون المحترفون الذين ظهروا معه كمساندين ومنهم: طه اسماعيل وعلي محسن، ولكنها لعبة الإنتاج خاصة عندما تكون منتجة العمل من داخل الوسط الفني وهي الفنانة ماجدة التي هي أعلم بخبايا هذا السوق.
فيلم (غريب في بيتي) 1982 يتطرق أيضاً لفكرة إغواء اللاعبين المحترفين من خلال علاقات نسائية، وبهذا الأسلوب يتم إيقاع شحاته أبو كف (نور الشريف) لاعب الكرة الموهوب القادم من الصعيد.
رياضة ذكورية..
كرة القدم لعبة ذكورية بامتياز وظلت حكراً على الرجال في الحياة والسينما أيضاً، ويبقى من الأفلام القليلة التي تؤكد ذلك وظهرت بها المرأة في وسط الملعب (الزواج على الطريقة الحديثة) من إنتاج 1967، تقود سعاد حسني فريق الفتيات مقابل فريق الرجال بقيادة حسن يوسف وليحقق الفتيات الفوز لصعوبة هذه اللعبة على الجنس اللطيف يلجأن للتحايل بإيهام (اللعيبة) الرجال وإرسال ابتسامات الإعجاب المصطنعة لفريق الرجال ما يسهل تحقيق سيل من الأهداف في شباكهم، فيلم (عيال حريفة) 2015، تدور أحداثه حول فريق كرة قدم نسائية يحلم بالتأهل لكأس العالم بعد أن عجز منتخب الرجال عن تحقيق ذلك، وتعرض هذا العمل للكثير من النقد واستياء نسبة كبيرة من المشاهدين لتدني مستواه.
ويلفت الإنتباه غياب المرأة كمشجعة في مدرجات الملاعب أيضاً، من هنا جاءت فكرة فيلم (سيد العاطفي) 2005، وتؤدي عبلة كامل دور مشجعة للنادي الأهلي لدرجة إقامة حفل زفاف إبنها في استاد الملعب بالمباراة الختامية.
نساء في الملعب..
سعت السينما الوثائقية والتسجيلية بتقديم فكرة (كرة القدم النسائية) برؤية مختلفة كتعويض للتقصير الحاصل من الدراما السينمائية بهذا المجال وتسليط الضوء على قضايا المرأة العربية من خلال هذه القضية، ومن هذه الأعمال (أوفسايد الخرطوم) إنتاج 2019 للمخرجة السودانية مروة زين، ويدور حول تشكيل فريق كرة قدم نسائية من الخرطوم، ويعكس من خلاله واقع المرأة السودانية على الصعيدين الاجتماعي والسياسي بفترة حكم الرئيس عمر البشير، وبالرؤيا ذاتها قدمت المخرجة البريطانية الليبية نزيهة عريبي فيلم (حقول الحرية) 2018 عن أحلام ثلاثة نساء بتشكيل فريق كرة قدم نسائي بعد نهاية حكم القذافي ومن فلسطين قدمت المخرجة سوسن قاعود (نساء في الملعب) ويحكي عن أربع فتيات من لاعبات منتخب كرة القدم النسائية الفلسطينية ويعكس نظرة المجتمع لهذا التوجه وظروف الإحتلال وانعكاسها على طموح المرأة.
إستضاف الأردن في عام 2016 تصفيات كأس العالم لكرة القدم النسائية تحت سن 17، المخرجة وداد شفاقوج واكبت هذا الحدث بإنجازها للفيلم التسجيلي (17)، وعن هذا العمل يشير الإعلامي والناقد السينمائي ناجح حسن للتنوع البصري وتماسك البناء الجمالي والإنساني للفيلم، وإبراز الواقع الإجتماعي للاعبات من خلال شهادات الأب والأم والجيران.
ماتش الكورة..
الأغنية السينمائية لم تكن بعيدة عن معشوقة الملايين كرة القدم وكان الموسيقار منير مراد من أوائل من أدخلوا هذا النمط من الغناء بتقديمه ل اسكتش (ماتش الكورة) من ألحانه وأدائه بفيلم (نهارك سعيد) إنتاج 1955، وأعاد ثلاثي أضواء المسرح هذه الفكرة في (اسكتش الأندية) بفيلم (القاهرة في الليل) وعرض عام 1963، وفي النهاية فإن ما يمكن أن يُطلق عليها سينما المستطيل الأخضر، وتحديدا التي كانت معادلاً موضوعياً وانعكاساً لواقع الإنسان العربي وإحباطاته ونمط تفكيره من حيث البيئة الثقافية التي ينتمي إليها، هذه الأعمال اختزلها الشاعر الفنان صلاح جاهين في واحدة من رباعايته التي غناها أكثر من مطرب واصفاً القلب بالكرة التي تتقاذفها الأقدام كتعبير عن معاناة الإنسان مع واقع الحياة اليومي ويصفها جاهين :
«أنا قلبي كورة والفراودة أكم
ياما اتنطح وانشاط وياما اتعكم
واقول كله حينتهي في المعاد
يقول بساعتك ؟ ولا بساعة الحكم !».