د. شهاب المكاحله
تغير مشهد منطقة الشرق الأوسط الجيوسياسي بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة وشهد تطورات غير مسبوقة من الهجرة العالمية، والأوبئة والتنافس الدولي على السيطرة على أفريقيا وغيرها من الدول فبرز الشرق الأوسط كنقطة محورية. وستواجه إدارة الرئيس الأميركي المقبل سواء أكان ديمقراطياً أم جمهورياً توترات إقليمية في الشرق الأوسط أكثر من قبل بل وحروباً أهلية تؤدي إلى انهيار دول مع توسع التهديدات الإرهابية وزيادة أعداد اللاجئين في ظل ضغوط التنمية الاقتصادية والبشرية وارتفاع معدات البطالة وانخفاض منسوب الحريات العامة.
وهنا الحديث يركز على الدور الأميركي في المنطقة. فقد تغيرت السياسية الاميركية في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ بناء على تحديد الإدارة الأميركية لدرجة مشاركة واشنطن في شؤون المنطقة. الأحداث والتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط أظهرت أن على الولايات المتحدة أن تلعب دوراً أكبر بدءاً من النزاعات الأهلية ومكافحة الإرهاب في المنطقة. لذلك يرى العديد من الخبراء في السياسة الأميركية أن على الإدارة الأميركية التحول من إدارة الأزمات إلى القيادة في الشرق الأوسط عن طريق دمج القوة العسكرية بالدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وهذا جهد بعيد المدى لأنه يتطلب العمل الحثيث مع الشركاء لوضع جدول أعمال للعقد المقبل. ولا يمكن ذلك إلا حين يحدد الرئيس المقبل بشكل إيجابي الأولويات الاستراتيجية لسياسة بلاده في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، لا بد من الحديث عن إعادة تقييم المشاركة الأميركية في الشرق الأوسط. لذلك على واشنطن إعادة تأكيد تعزيز التعاون مع شركائها في المنطقة وبناء حوافز إيجابية لدعم الشرعية السياسية والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في دول الشرق الأوسط. فالإدارة الأميركية القادمة عليها العمل على تحويل الدور الأمني الأساسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من دور الراعي إلى الشريك الاستراتيجي.
إن المتتبع للقرارات الدولية جميعها يرى أنها تنفذ بالكامل إذا كانت ضد كل دول الشرق الأوسط ما عدا إسرائيل وهذا التعامل المزدوج هو لُب الخلاف والصراع القديم الحديث في المنطقة؛ فالكيل بمكيالين لا يناسب مكانة الولايات المتحدة الدولية كونها القوة العظمى الأولى في العالم. فما لم تغير واشنطن سياساتها وتطبيقها للقرارات التي تصب في مصلحة إسرائيل بالكامل لن يتغير شيء على ارض الواقع بل سيجاملها الحلفاء فقط مبدئياً وعلى المدى القصير.
فمفارقة الوساطة الدولية النزيهة لإحلال السلام العادل الشامل الدائم في الشرق الأوسط غير موجودة على أرض الواقع لأن الوساطات في تحالف استراتيجي مع تل أبيب. وهذا تناقض في السياسة لصالح طرف دون آخر. فالمطلوب من الإدارة الأميركية القادمة النظر إلى حل جذري للصراع في الشرق الأوسط لا العمل على إدارته لأن ذلك سيطيل أمد الحل ويشجع إسرائيل على المزيد من التنمر وفرض الحلول بالقوة على جيرانها أو قيامها بخلق مشكلات داخلية في تلك الدول لاستغلالها لصالحها فيما بعد وهنا مكمن الخطر. فالضغوطات على الدول تزيد حالة الاحتقان الداخلي ما يولد تيارات متشددة ومتطرفة تعمل داخل الحدود وخارجها.