د. أحمد يعقوب المجدوبة
عَزْمُ حكومة الكيان الإسرائيلي على ضم غور الأردن الواقع غربي النهر، والذي نرفضه جملة وتفصيلاً، هو خطأ فادح أولاً وأمر خطير ثانياُ، لعدة أسباب.
الأول ويتمثل في أنه، مثله مثل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية كلها، اعتداء صارخ على أراضي الغير وعلى ممتلكاتهم، وهو ضرب من ضروب القرصنة والسرقة والجريمة التي تُرتكب في وضح النهار، دون مراعاة لأي قيم أو أعراف إنسانية.
وهذا ما دأب عليه الكيان منذ نشأته. يُخطط ويتآمر ويعتدي ويحتل، فيخلق أمراً واقعاً، غير قانوني وغير مشروع، يريد فرضه على الآخرين بمنطق الغطرسة والقوة.
الثاني ويتجسد، في حال غور الأردن بالذات، في أنه اختراق واضح لاتفاق عقده الكيان مع الجانب الفلسطيني. الأصل أن الاتفاقيات تُبرم كي تُحترم، وأن أي مخالفة لها تُعدّ خللاً وخطأ فادحين ولا يجب السماح بهما مهما كانت الذرائع والمسوغات من باب «العقد شريعة المتعاقد».
لأوسلو ما لها وعليها ما عليها، ومعظمنا رفضها منذ البداية رفضاً قاطعاً لأنها لم تكن منصفة للفلسطينيين ولأنها تمت من وراء ظهر الفريق الرسمي الأردني الفلسطيني المفاوض في حينه. ومع ذلك فهي اتفاق بين طرفين كان المقصود منه أن ينسحب الكيان من أراضٍ فلسطينية ويسلّمها للسلطة، لا أن يصادر أو «يضم» مزيداً منها.
والأصل في الاتفاقات، حتى وإن كانت هزيلة أو غير منصفة، أن يُلتزَم بها.
الثالث، وعلى مستوىً أشمل وأعمّ، ويتمثل في أن الكيان كوّن نفسه وتمدد وتوسع بمنطق القوة والخديعة والعدوان، وأن تاريخه مبني على انتهاك حقوق الناس ومصادرتها من ناحية ومخالفة الأعراف والقوانين والتنصل من القرارات الدولية الشرعية من ناحية أخرى.
والرابع ويتجسد في أنه فعل سلبي هدمي يهدد أمن واستقرار المنطقة وقد يدخلها في موجة جديدة من العنف والتطرف والأزمات التي لا يمكن لأحد أن يتكهن بأبعادها، ذلك أن ردود الفعل تجاه هذا القرار العدواني لن تكون إلا رافضة ومُدينة.
وهذا ما أكدّ ويُؤكد عليه الأردن دوماً: أن أزمات المنطقة كلها أساسها الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته التوسعية المبنية على الاغتصاب والعنف وخرق قواعد العدل والإنصاف.
أما الخامس، والأخطر، ويتمثل في أن موضوع «الضم»، وهي الكلمة المُلطِّفة للعدوان والسرقة والاغتصاب، يُعيدنا إلى المربع الأول لكيان يُبقي حدوده مفتوحة، بحيث يتوسع شمالاً وشرقاً وجنوباً كلّما أتيحت له الفرصة وكلّما شاء.
ويجب أن يكون معلوماً، وبالذات لمن لم يدركوا أبعاد أطماع حكومات الكيان المتطرفة بعد، أنّ تلك الحكومات لن توفر أرض أحد.
ف«ضم» غور الأردن، والذي أتى بعد «ضم» مرتفعات الجولان السورية، قد يكون بداية لسلسة «ضم» لها أول وليس لها آخر.
من هنا لا بد للعرب، كلّ العرب، من الوقوف في وجه هذا القرار الظالم الغاشم، بكلّ قوة وعزم وحزم، لأن هذا القرار اللامسؤول يُهدّد الجميع، ولأن أبعاده أكبر بكثير من «ضم» قطعة أرض فلسطينية أو سورية أو لبنانية هنا وهنا.
فأرض كلّ العرب في خطر.