د. زيد حمزة
في مقاله الأخير في الثاني من حزيران يلخص جون پيلغر كتابه «الانقلاب» الذي يصف ما جرى في استراليا عام 1975 دون ضجيج عندما أطاح تآمر المخابرات الأميركية والبريطانيه بحكومة غوف ويتلام الإصلاحية في استراليا وبات معروفان السير جون كير نائب الملكة والحاكم السابق للمستعمرة البريطانية الذي قام بعزل رئيس الوزراء في11نوڤمبر1975 كان الأقدم ارتباطا بالCIA والMI6، وأن مارشال غرين الذي عيّنته واشنطن سفيرا لها في كامبيرا عام 1974 كان قد لعب دوراً مركزياً في انقلاب 1965ضد سوكارنو، وأن رئيس الوزراء ويتلام كان قد أُطلع قبل يوم واحد من عزله على رسالة تيليكس سرية جداً منسوبة لثيودور شاكلي رئيس
المخابرات الأميركية في شرق آسيا الذي شارك قبل ذلك بعامين في إدارة الانقلاب ضد سلڤادور أليندي في تشيلي وتقول الرسالة إن رئيس الوزراء الأسترالي أصبح يشكل خطراًعلى الأمن في بلده !، وطبعاًماكان لكل تلك المؤامرات ان تتم دون إشراف كيسنجر!
وبقيام نائب الملكة بالانقلاب سلّم البلاد للولايات المتحدة وأصبحت أستراليا دولة عميلة تابعة بسياساتها واستخباراتها ومؤسساتها العسكرية لنفوذ واشنطن فمثلاً اليوم في عهد ترمب واستفزازاته تُعتبر القواعد العسكرية الأمريكية فيها رأس الحربة في اي صدام
مسلح بالصين! وبذلك الانقلاب الأنجلو أميركي ضاع الإنجاز الذي حققته أستراليا بتغيير سياستها جذرياً دون المرور بثورة محلية فقدأقرت مسودة حقوق السكان الأصليين الأبوريجنالز
وكشفت بذلك عن اكبر عملية سطو على الأراضي في تاريخ البشرية قام بها الاستعمار البريطاني، وأثارت مسألة الثروة الطبيعية الهائلة في تلك الجزيرة القارّة التي كان ينهبها الاستعمار..
جون ويتلام لم يكن من يسار حزب العمل بل كان سياسياً مستقل الفكر يؤمن بالعدالة الاجتماعية وقد ساوى في عهده القصير بين اجور النساء والرجال وحقق مجانية التعليم العالي ودعم الفنون بقانون، ومن حيث المبدأ آمن بانه لا يجوز لدولة اجنبية أن تسيطر على بلده ومواردها وسياساتها الاقتصادية والخارجية لذلك قام بسحب القوات الأسترالية من مهمتها كمرتزقة عند الأميركان في عدوانهم على فيتنام وأدان وزراؤه علناً لبربرية
الأمريكية ووصفوها بالقتل الجماعي وقال نائبه إن إدارة نيكسون فاسدة ودعا لمقاطعة التجارة معها وتجاوبا مع ذلك رفض عمال الموانيء التجارية الأستراليون تفريغ السفن
الأميريكة، وعلى الصعيد الدولي توجهت استراليا نحو حركة عدم الانحياز وأيّدت إنشاء منطقة سلام في المحيط الهندي ما اعترضت عليه الولايات المتحدة وبريطانيا، وطلبت من فرنسا وقف تجاربها النووية في المحيط الهادي، أما في الأمم المتحدة نفسها فقد دافعت بقوة عن حقوق الفلسطينيين كما استقبلت لاجئين هاربين من انقلاب ال سي أي ايه في تشيلي..
وبعد..فان جون پيلغربهذا المقال يذكّرنا «بأن الأمة الاسترالية منذ 11نوڤمبر 1975 لم تستعدْ عافيتها السياسية ولا استقلالها الحقيقي.. عن أميركا» !