كلّ المؤشرات تدل على أنّنا قاب قوسين أو أدنى من إعلان النصر في معركتنا ضد الجائحة. حشدت الدولة كامل قواها وطاقاتها وأذرعها في الوقت المناسب، وكانت على قدر التحدي، والتزم معظم الناس بالتوجيهات والتعليمات، فاقتربنا من تحقيق المراد.
لم تنته المعركة بعد، وبما أن إجراءات الانفتاج التدريجي والعودة المدروسة للحياة الطبيعية بدأت تبرز إلى حيز الوجود، وجب علينا التّمسّك بشدة بقواعد الصحة والسلامة وأن نبدي مزيداً من الالتزام الصارم بتعليمات الجهات المختصة حتى نعبر إلى برّ الأمان، ولا تحدث أية انعكاسة أو انتكاسة لا قدر الله.
هذا أمر واضح وضوح الشمس، والمطلوب مزيد من الحزم والعزم.
لكن ما أودّ التطرق إليه هنا هو شكل سلوكنا ونمط حياتنا في بداية الانفراج، وما بعده.
لا بد وأن نكون قد استثمرنا فترة الحجر في التفكّر في أشياء كثيرة، ربما نسيناها أو تناسيناها ما قبل كورونا، أو لم تخطر ببالنا.
ونقصد بذلك العادات الصحية والسلوكات السويّة.
لا شك بأن مجتمعنا مجتمع عريق تمتد جذوره الحضارية آلاف السنين. أول مستوطنة بشرية عندنا. ونحن مهد الزراعة ومهد التكنولوجيا ومهد الأديان ومهد الحضارات.
كم حضارة نشأت هنا أو مرّت من هنا؟ كم ديانة؟ كم ثقافة؟
وهذا يفسّر عمقنا الحضاري، وميزة ثقافتنا: الكرم والشهامة والمروءة والذكاء والعطاء والصراحة والإخلاص.
لكن، ومع الأسف والأسى، تسلللت إلينا في السنوات والعقود الماضية عادات وسلوكات غير محمودة. ولعلّ معظمها أتانا، من ضمن عوامل أخرى لا شك، من دخولنا "المدنية" والتجمعات السكانية المزدحمة، دون أن نهيء أنفسنا لنمط الحياة فيها،
من الرّيف والبادية إلى المدن الكبيرة دفعة واحدة.
فكانت العادات المرورية السلبية، وكان إيذاء المرافق العامة، والاعتداء على البيئة، وكانت الفوضى في الأماكن المزدحمة، والعديد من العادات غير الصحية، وكان الاستهتار بالقواعد والأصول، وكان اختراق التعليمات والقوانين، وما إلى ذلك.
عندنا مقومات خلقية وأخلاقية وحضارية غاية في الروعة، لكننا نفوّت على أنفسنا فرصة التميّز، والقفزة الحضارية المنتظرة، بممارسة عادات وسلوكات عدمية هدمية تشدنا إلى الخلف، بدلاً من أن تدفعنا إلى الأمام.
ولعل أسوأها العشوائية وخرق النظام ومخالفة القواعد.
نأمل في المقبل من الأيام أن نغيّر ونبدّل، حتى ننجح ليس في الظروف الاستثنائية، بل في العادية كذلك.
بالتحديد، حتى لا نُغرق في العموميات، نتمنى أن نُحافظ على العادات الصحية التي لقّنتنا إياها الجائحة، بدءاً من النظافة الفردية والمؤسسية، مروراً بالعادات الصحية الجمة، وانتهاءً بالتباعد الجسدي والالتزام بالانضباط والنظام.
والانضباط والنظام تحديان كبيران؛ ولعّل عدم الالتزام بهما أساس البلاء.
الجائحة أتتنا بسبب فيروس لم يُحدّد مصدره ولا مسبّبه بعد. لكنها جاءت امتحاناً لنا، ونحن على وشك النجاح فيه: بسبب الحظر والحجر.
لكنّها جاءت لتشجعنّا أيضاً على التّفكر في أحوالنا والتمعن في واقعنا؛ وجاءت لتعلّمنا الدروس.
فهل نعي؟ وهل ننجح عندما يُرفع الحظر، ونملك إرادتنا؟
نأمل ذلك؛ ونأمل أن يأتي الفرج، لكن بأسس وقواعد جديدة.