إن الأثر الدستوري المترتب على العمل بقانون الدفاع هو إعطاء رئيس الوزراء صلاحية اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية لتأمين الصحة والسلامة العامة، حيث يُصدر لهذه الغاية أوامر دفاع خطية تنشر في الجريدة الرسمية. من هنا يثور التساؤل الأبرز حول التكييف القانوني لهذه الأوامر والذي تختلف حوله التشريعات الوطنية ذات الصلة. ففيما يتعلق بالدستور، نجد بأن المادة (124) تقضي بأن أوامر الدفاع توقف العمل بالقوانين العادية، وهو الحكم ذاته الذي كرسته المادة (10) من قانون الدفاع، التي تنص على وقف العمل بأي نص في قانون أو تشريع يتعارض مع أوامر الدفاع.
إن القاعدة الفقهية تقضي بأنه لا يجوز إلغاء قاعدة قانونية إلا بقاعدة قانونية أخرى مماثلة لها أو أعلى منها، وهو الحكم الذي كرسته المادة (5) من القانون المدني بالقول أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء. من هنا، يمكن القول بأن المشرع الدستوري قد أخذ بالمعيار الموضوعي لتمييز العمل التشريعي عن الإداري بالنسبة لأوامر الدفاع. فمبوجب هذا المعيار، فإن العمل التشريعي يتضمن قواعد عامة مجردة ومقرونة بجزاء، وذلك بصرف النظر عن الجهة التي أصدرتها. فطالما أجاز المشرع الدستوري لأوامر الدفاع أن توقف العمل بالقوانين العادية، فإنه يكون قد أصبغ عليها صفة العمل التشريعي.
في المقابل، نجد بأن المادة (8) من قانون الدفاع قد أخضعت أوامر الدفاع لرقابة القضاء الإداري. وهذا يعد تكريسا للمعيار الشكلي الذي يهتم بالجهة التي أصدرت العمل بصرف النظر عن مضمونه، بالتالي تعتبر أوامر الدفاع قرارات إدارية لهذه الغاية.
إن هذا الاختلاف في تحديد ماهية أوامر الدفاع يقتضي الوقوف على الإرادة الحقيقية للمشرع الدستوري في التعاطي مع حالة الطوارئ. فالعبرة من تفعيل قانون الدفاع هي أن القوانين العادية التي قد أُقرت لتنظيم العلاقة القانونية بين الأفراد في الظروف الاعتيادية قد لا تكون كافية لمواجهة الظرف الاستثنائي، مما ألزم إعطاء الحق لرئيس الوزراء بأن يوقف العمل بها إلى الحد الذي يتعارض مع حالة الطوارئ. وهذه الصلاحية المقررة لرئيس الوزراء بوقف قانون نافذ لا تتوافق مع اعتبار أوامر الدفاع مجرد قرارات إدارية تحتل المرتبة الأدنى في الهرم التشريعي.
وما يعزز من الرأي القائل بأن لأوامر الدفاع صفة العمل التشريعي أن بعض الأوامر التي صدرت عن رئيس الوزراء قد تضمنت إضافة أحكام قانونية جديدة، وتبرير ذلك أن وقف العمل بنص قانوني معين سيحدث فراغا تشريعيا في التصدي لظاهرة اجتماعية معينة، فلا بد وأن يتم ملؤه من خلال أوامر الدفاع. وهذا ما ظهر جليا في أمر الدفاع رقم (8) حيث جرى تعطيل الجرم المنصوص عليه في قانون الصحة العامة فيما يتعلق بالتعمد بنقل الوباء، فكان لا بد وأن يتضمن هذا الأمر قواعد قانونية جديدة تتضمن صورا لجرائم تتعلق بنشر الوباء وعقوبة جزائية في حال مخالفتها.
* أستاذ القانون الدستوري/كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com