كتاب

قراءة قانونية في أمر الدفاع رقم (8)

في خضم الجهود الوطنية لمواجهة جائحة كورونا، تقوم فئة من الأفراد بارتكاب مخالفات جسيمة تسهم سلبا في تأخير التعافي من هذا الوباء، حيث يصر البعض على مخالفة شروط الحجر الصحي ومخالطة الغير بشكل يعمل على إعادة انتشار المرض. فإلى جانب قلة الوعي بخطورة الأفعال التي يقدم البعض على ارتكابها، فإن عدم كفاية النصوص الجزائية في التشريع الأردني وشموليتها لكافة الأفعال الجرمية ذات الصلة بمكافحة هذا الوباء تسهم في تكرار مثل هذه التصرفات غير المسؤولة.

إن الحماية القانونية من انتشار الأوبئة قد وردت في المادة (22/ب) من قانون الصحة العامة رقم (47) لسنة 2008، والتي تضمنت صورا متعددة لجريمة نقل العدوى للغير، كتعريض شخص للعدوى بمرض وبائي أو الامتناع عن تنفيذ أي إجراء يهدف لمنع تفشي العدوى. إلا أن هذه الأفعال تمتاز بعدم شموليتها، فهي لا تشمل حكم عدم قيام الفرد بالإفصاح عن الإصابة بالوباء أو مخالفته للتعليمات والأوامر الصحية ذات الصلة بمنع انتشار الوباء. هذا إلى جانب عدم فعالية العقوبات المقررة على هذه الجرائم في المادة (66) من القانون، والتي تقتصر على الحبس من شهرين إلى سنة، أو بغرامة مالية أو بكلتا هاتين العقوبتين.

لذا، فقد صدر أمر الدفاع رقم (8) الذي أوقف العمل بالأحكام القانونية السابقة، وتوسع في الأفعال التي تعتبر جرائم لغايات الحد من تفشي هذا الوباء، أهمها وجوب التعاون التام مع الجهات المختصة في تنفيذ القرارات الصادرة عنها كإجراءات الحجر الصحي والعزل المنزلي، وضرورة التقيد بكافة التدابير الوقائية والعلاجية المقررة، وعدم مخالطة الغير خلال المدد الزمنية المحددة من قبل الجهات الطبية. كما ألزم أمر الدفاع كل مستشفى أو مركز صحي أو مختبر بإبلاغ الجهات المختصة وعلى الفور في حال ثبوت وجود إصابات بالمرض لديهم.

وتكمن أهمية أمر الدفاع رقم (8) في تشديد العقوبات الجزائية على كل من يخالف بنوده، حيث يعاقب كل من يخالف أحكامه بالحبس حتى ثلاث سنوات أو غرامة مالية مقدارها ثلاثة الآف دينار أو كلتا العقوبتين.

إن هذا الموقف الأردني من تغليظ العقوبة على من يسهم في نشر هذا الوباء واعتبارها جناية، يتماشى مع النهج التشريعي المقارن في التعاطي مع هذا المرض. فقد عمدت العديد من دول العالم إلى تعديل تشريعاتها الوطنية لصالح تغليظ العقوبات المقررة على مخالفة الأوامر والتعليمات الصحية المتعلقة بهذا الوباء. ففي إيطاليا مثلا، تم فرض عقوبة الحبس مدة قد تصل إلى (12) عاما لكل مريض يثبت إصابته بالفيروس ويتعمد إيذاء من حوله. وفي روسيا، جرى تقرير عقوبة الحبس مدة قد تصل إلى (7) سنوات لكل من ينتهك شروط الحجر الصحي من المصابين بفيروس كورونا. وفي الكويت، فقد أقر مجلس الوزراء مشروع قانون يقضي بفرض عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز (5) سنوات وغرامة لا تقل عن خمسين ألف دينار كويتي لكل من يتسبب بنقل عدوى أي مرض وبائي إلى غيره على نحو عمدي مقصود.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com