أ.د. محمد الرصاعي
لقد كشفت جائحة كورونا التي تضرب اليوم جميع أرجاء العالم زيف التعاون الدولي وأكذوبة العمل الإنساني المشترك، كما ثبت على أرض الواقع فشل المنظمات التي كانت الغاية من تأسيسها التعاون وتوحيد الجهود لمجابهة ما قد يتسبب بالتأثير سلباً على الدول أعضاء هذه المنظمات والاتحادات وخاصة في أوقات الحروب والأوبئة والأزمات الاقتصادية الطارئة، لقد أخضعت كورونا هذه المنظمات لاختبار حقيقي لم تحرز فيه الحد الأدنى من العلامة التي تؤهلها للقيام بالأهداف التي أنشئت من أجلها.
في مقدمة هذه المنظمات الأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة عنها والتي لم تقدم إزاء ما تتعرض له دول العالم من انتشار للوباء سوى ببعض النصائح حول كيفية الوقاية من فيروس كورونا، ولم تمارس أي دور يذكر في تعزيز العمل الإنساني المشترك للتعامل مع هذا الظرف الصعب، حيث كان الغالب على سلوك معظم دول العالم هو التفكير بعقلية القلعة وممارسة سياسة الأسوار العالية دون الالتفات لتقديم المساعدة والعون.
الاتحاد الأوروبي أضخم الائتلافات العالمية وفي عضويته دول تمتلك إمكانيات كبيرة في مجالات واسعة، غير أن هذه الدول وتحت وطأة اجتياح فيروس كورونا سارعت لإغلاق حدودها ومطاراتها، ولم يبادر الاتحاد بتبني أية خطة أو استراتيجية للعمل المشترك بين دول الاتحاد للحيلولة دون انتشار الوباء، بل قد أثار استغراب العالم قيام بعض دول الاتحاد وضع يدها على مساعدات وأدوات كانت قادمة من الصين لمساعدة إيطاليا في مواجهة كورونا وهي أكثر الدول تضرراً من الوباء وحرمان مواطنيها القابعين في المستشفيات من هذه المساعدات، عوضاً عن رفض الدول الأعضاء طلبات المساعدة التي تقدمت بها إيطاليا في مشهد يخلو من التعاون و ويفتقر لأخلاق وقيم الاتحاد، الشيء الذي دفع بعض الايطاليين استبدال علم الاتحاد الأوروبي بالعلم الصيني على السواري والأبنية. كما وجه سفير ايطاليا لدى الاتحاد الأوربي نقداً لاذعاً لدور الاتحاد وأنه لم يتخذ إجراءات ملموسة مؤثرة وعاجلة والاكتفاء فقط بالاجتماعات وتبادل وجهات النظر، ولا زالت كلمات الرئيس الصربي منتقداً دور الاتحاد تطرق سماع العالم عندما قال نشكركم على » لا شيء».
أمام هذه التداعيات التي تفضح وهن التعاون الدولي وجدوى دور المنظمات والاتحادات العالمية وفي مقدمتها الأمم المتحدة يبرز تساؤل كبير حول فرص استمرار وجودها وهل ستسرع كورونا الإطاحة بها وخاصة أنَّ ما يقبع في ذاكرة العالم إزاء دور هذه المنظمات هو إخفاقها في التعامل مع ملفات الصراع والفقر والأمية والصحة في مناطق عدة في العالم، وهل ستعيد دول العالم حساباتها بعد زوال هذا الوباء فيما يخص استمرار عضويتها في هذه المنظمات والاتحادات أم تعيد ترتيب ائتلافاتها ومحاور تعاونها الاقليمي والدولي.
[email protected]