كتاب

سلطة الإدارة في تطبيق القانون

تمتاز العلاقة القانونية بين الإدارة والفرد بأنها غير متكافئة، حيث تتمتع الإدارة بالسيادة والسلطان في تعاملها مع الأشخاص المتعاملين معها والعاملين لديها. فالإدارة بنوعيها المركزية كالوزارات واللامركزية كالهيئات والمؤسسات المستقلة، أنشئت لإدارة مرافق عامة وتقديم خدمات أساسية، وهذه المرافق العامة يجب أن تستمر في تقديم خدماتها بشكل متواصل دون انقطاع. من هنا، كان لا بد من تمييز الإدارة بمركز قانوني أعلى من الأشخاص الذين يتلقون الخدمات منها ومن العاملين لديها، بحيث تكون لها الكلمة العليا فيما يتعلق بالأسلوب والك?فية التي تراها مناسبة لإدارة الجهاز المؤسسي، ورسم السياسة العليا واختيار من تراه مناسبا لكي يقوم بتطبيقها.

إلا أنه ولضمان مبدأ مشروعية الدولة واحترام سيادة القانون، فقد جرى تنصيب القضاء الإداري رقيبا على الإدارة عند ممارستها لسلطاتها المقررة في القانون، فخضعت القرارات الصادرة عنها لرقابة المشروعية، والتي تتمحور حول وجوب احترام الإدارة لعناصر شكلية وموضوعية في القرارات التي تصدر عنها. فإذا أخلت الإدارة بأي من هذه الأركان، فإن القضاء الإداري لا يتوانى في نقض هذه القرارات وإعادة الإدارة إلى رشدها القانوني.

ويبقى الواجب القانوني على الإدارة أن تسعى إلى حماية قراراتها الصادرة عنها من أن يتم إلغاؤها أمام القضاء الإداري. إلا أنه مهما بلغت الإدارة من حرص على مشروعية الأعمال التي تصدر عنها، فإن الشخص المخاطب بالقرار الإداري يثبت له الحق الدستوري في الطعن بمشروعية ذلك القرار، مدعيا بأنه قد تعرض لظلم وتعسف من جانب الإدارة.

لذا، فإنه يتعين على الإدارة الرشيدة أن تعمل على تمتين موقفها القانوني من خلال حرصها على احترام كافة عناصر وأركان القرار الإداري، فتضع نصب عينيها وجوب مراعاة عنصري الشكل والإجراءات عند التعبير عن إرادتها الملزمة، وأن يكون محل القرار الصادر عنها مشروعا. والأهم من ذلك، أن تعمل الإدارة على تسبيب القرارات الصادرة عنها، بحيث تدعم كافة إدعاءاتها التي تستند إليها بالأدلة والبراهين القانونية التي تعزز من موقفها كمستدعى ضدها أمام القضاء الإداري.

ويبقى القضاء هو الفيصل في النزاع الذي تكون الإدارة طرفا به، بحيث يستمع إلى وجهتي نظر مختلفتين من قبل الطاعن بالقرار الإداري والجهة الإدارية مصدرة القرار، ويُسمح لكل طرف بتقديم بيناته ودفوعه القانونية. وفي هذه المرحلة، تقوم الإدارة بإفراغ ما بحوزتها من أسباب دفعتها إلى إصدار القرار الإداري المشكو منه، فالحكمة القانونية تقضي أن لا يتم الكشف عن مبررات إصدار القرار قبل أوانها، خاصة إذا كان القانون الذي يحكم عمل الإدارة لا يلزمها بالتسبيب، أو لكون هناك جهة عليا صاحبة الولاية القانونية في إصدار القرار بناء على ت?سيب الإدارة.

إن السلطة التقديرية للإدارة يقابلها وجود قضاء إداري نزيه وعادل يفصل في المنازعات الإدارية، ويعيد الحقوق لأصحابها إن اقتضى الأمر، دون الحاجة لتبني نظريتي المؤامرة والتشكيك.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق/ الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com