د. شهاب المكاحله
كان لي شرف قراءة مذكرات المستشرقة البريطانية جيرترود بيل التي ساهمت في رسم دول الشرق الأوسط منذ ذلك الحين إلى جانب «لورنس العرب» والسير «بيرسي كوكس» المفوض السامي البريطاني. ففي القرن الماضي كانت الإمبراطورية العثمانية تحتضر والدول العربية في حالة تخبط لا تعرف وجهتها. انسحبت تركيا من الدول العربية وخضعت دول شرق المتوسط للانتدابين البريطاني والفرنسي.
ففي رسالة بعثت بها بيل إلى والدها في يونيو ١٩٢٠، قالت: «إن الشرق الأوسط يعيش حالة من الاضطراب والفوضى». واليوم إذا ما نظرنا إلى الشرق الأوسط نرى أنه وبعد مئة عام على تلك الرسالة لا زال الشرق الأوسط يعيش اضطراباً أكبر. فمنذ العام ٢٠٠٩، والمنطقة تتحضر لانسحاب الولايات المتحدة الأميركية الذي أسفر عنه اندفاع دول إقليمية لتحتل مكانتها في المنطقة: فإيران توسعت في الدول العربية، وتركيا سعت لكسب نفوذ في سوريا وليبيا وإسرائيل انتظرت اندفاع العرب إليها للحفاظ على أمنهم بالتحالف سراً أو علانية مع تل أبيب.
فسياسة الولايات المتحدة اليوم في عهد الرئيس دونالد ترمب أشبه ما تكون بسياستها إبان حكم الرئيس الجمهوري وارين هاردينج الذي حكم لفترة قصيرة منذ العام ١٩٢١-١٩٢٣. ويشبه وارين الرئيس ترمب لتمسكه بسياسة الانعزال والتركيز على الداخل الأميركي وفق مبدأ: «أميركا أولا». وحين تولى الرئيس الديمقراطي باراك أوباما الرئاسة الأميركية كان شغله الشاغل سحب القوات الأميركية من كافة الدول لأن ذلك له كلف اقتصادية كبيرة كما أن واشنطن ما عادت بحاجة للتضحية بجنودها من أجل حماية حلفائها نظراً لتوافر كافة المصادر الطبيعية في الولايات?المتحدة. وفي العام ٢٠٠٩، وصلت إلى الإدارة الأميركية تقارير أمنية تفيد بأن هناك حالة من عدم الرضا الشعبي ضد الكثير من أنظمة الحكم في الشرق الأوسط، وخاصة تلك الحليفة لواشنطن.
لذلك ظهرت وبشدة رغبة الكثير من دول المنطقة بالدفاع عن نفسها وسباق التسلح النووي التي تتيح لها حماية نفسها من كافة التهديدات لانعدام الثقة بالدعم الذي قد تتلقاه تلك الدول خاصة بعد موقف واشنطن من دعم الأكراد في سوريا. فانعدمت ثقة الكثير من الدول في سياسة الدعم العسكري السياسي الأميركي لها ما أجبر تلك الدول على إيجاد البدائل وهذه التحالفات هي ما تسمى بعلم السياسية «Turbulent Coalitions ». فمثلا التحالف الروسي التركي ليس سوى مثال على تلك التحالفات كما أن تحالف بعض الدول العربية مع إسرائيل هو ضرب آخر من التحالف?ت المائعة ( Fluid Coalitions).
وفي الختام، مرت مئة عام على اضطرابات الشرق الأوسط ولا زالت مستمرة ودون نهاية رغم تشكيل كيانات سياسية وأنظمة حكم في كل من دولها. فما السبب في حالة عدم الاستقرار؟ الجواب حتماً في رسالة جيرترود بيل منذ مئة عام.