هناك صعوبة تكمن في فهم هيكلية النظام الدولي. فقد أثبتت فرضية الأحادية القطبية التي كانت شائعة أثناء حرب الخليج الثانية وبعدها مباشرة، أنها ذات معنى محدود مع تراجع الولايات المتحدة كقوة اقتصادية حتى مع بقائها أكبر قوة عسكرية إذ لم ينشأ «النظام العالمي الجديد» إلا بعد إضفاء الطابع الإقليمي على النظام الدولي من حيث عولمة الهياكل الأمنية وظهور تحالف مركزي للدول في ظل وجود علاقة خاصة بين واشنطن وتل أبيب. فتلك التحالفات لا تزال العنصر الحاسم والحاكم في سياسات الشرق الأوسط بعد أن استلمت الولايات المتحدة ملف المنطقة من المملكة المتحدة وفرنسا في منتصف القرن الماضي.
من منظور النظام الإقليمي، اتسم كل عقد من العقود الماضية بالاتجاهات الأيديولوجية والاستقطابات ما رسم مستقبل المواجهات في القرن الحالي. في الوقت نفسه، اكتسب التطرف أرضية جديدة بعد الثورة الإيرانية واغتيال الرئيس المصري أنور السادات. فخلال الثمانينيات من القرن الماضي، تم تحديد الاستقطاب في العالم العربي من خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) والخوف من تمدد التطرف الشيعي. وفي التسعينيات، وبعد حرب الخليج الثانية (يناير - مارس 1991)، تم إضعاف التوجهات العربية والقومية في ظل تدخل عسكري دولي في الشؤون العربية مع قناعة دول المنطقة في غالبيتها بأن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة المهمة على الساحة الدولية وأنه لا يمكن حل مشاكل الشرق الأوسط دون التعاون مع واشنطن. ونظراً لتعقيد العلاقات الدولية بسبب حسابات القوى الكبرى، فإن ارتباط دول الشرق الأوسط بتلك الدول يعني تعقيدات مركبة لا يمكن حلها دون التعاون الدولي وتحت المظلة الدولية في ظل غياب تنسيق سياسي إقليمي حاسم.
كان لتراجع الاتحاد السوفييتي كقوة عالمية تأثير مباشر على الساحة الشرق أوسطية. ففي الواقع، كان الرئيس الروسي ميخائيل غورباتشوف قد بدأ الانسحاب من الشرق الأوسط في أوائل عام 1987. ومع ذلك، حاولت القيادة السوفيتية الحفاظ على درجة معينة من النفوذ في المنطقة خلال المراحل الأخيرة من الحرب العراقية - الإيرانية. علاوة على ذلك، خلال السنوات 1987-1991، وخاصة خلال أزمة الخليج والحرب التي تلتها، ظهرت اختلافات وتوترات سياسية في موسكو حول النفوذ السياسي في الشرق الأوسط.
واليوم، يؤثر التشرذم الذي يميز النظام الدولي على الشرق الأوسط وعلى الصراعات ومستقبل الدول لأن توجه عدد من القوى الكبرى نحو تفكيك الجماعات الأصولية والتحالف مع أنطمة معتدلة من شأنه أن يرفع من مستويات التطرف بكافة اشكاله كتعبير عن رفض تحالف كهذا. فتعطل عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية الذي جاء نتيجة لضعف وتفتت الدول العربية سيثري التطرف بأشكاله في الدول تعبيراً عن رفض تدخل القوى الكبرى في تلك الدول الشرق أوسطية ما يبقي المنطقة فوق فوهة بركان دوماً.