تعد المعارضة ركنا أساسيا من أركان النظام الديمقراطي وضرورة لازمة لإضفاء المشروعية على نظام الحكم في الدولة. وتنبع أهمية المعارضة من أن السلطات الحاكمة ليست ثابتة، وإنما تكون قابلة التغيير والتبديل، بالتالي يتمثل دور المعارضة في التعبير عن رأيها وانتقاد أعمال الحكومة وقراراتها، وتقديم الحلول والبدائل للمشاكل التي تعجز عن حلها. وقد ربط فقهاء القانون الدستوري المعارضة بمبدأ الفصل بين السلطات، حيث يرى الفقيه مونتسكيو في كتابه روح القوانين أن السلطة تحد السلطة وتراقب أعمالها، وأن الديمقراطية تتحقق عندما تقوم ال?لطات العامة في الدولة بالتصدي لبعضها البعض من خلال معارضة كل منها للأخرى.
إن هذا المفهوم الدستوري للمعارضة يقضي بالضرورة أن ينحصر إطارها ضمن المؤسسات الوطنية التي تنشأ وفق أحكام القانون، وفي مقدمتها السلطات العامة والأحزاب السياسية وجماعات الضغط. فلكي تنجح المعارضة في القيام بالمهام المأمولة منها فإنها يجب أن تكون مؤسسية، بمعنى أن تقتصر فقط على الجماعات السياسية المنشأة بموجب القانون، والتي يكون لها أهداف وبرامج معروفة وواضحة المعالم، ومختلفة عن المبادئ والأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة.
ولغايات تمكين المعارضة من التعبير عن مواقفها السياسية، تعمد الدساتير الوطنية إلى اعتبار المعارضة حقا دستوريا، بحيث تكفل للجهات التي تقوم بها كافة السبل والطرق التي تمكنها من القيام بدورها الديمقراطي على أكمل وجه. ففي بريطانيا مثلا، يسمح لحزب المعارضة أن يشكل حكومة تسمى حكومة الظل والتي تسعى إلى الإطاحة بالحزب الحاكم والانتقال من المعارضة إلى الحكم. كما يعتبر الفصل (60) من الدستور التونسي المعارضة بأنها مكوّن أساسي في مجلس النواب، ويعترف لها بحقوق أساسية تمكّنها من القيام بمهام عملها، بالإضافة إلى اشتراط أن?يكون لها تمثيل مناسب وفعال في هياكل المجلس النيابي وأنشطته الداخلية والخارجية. وهو الحكم ذاته الذي ورد في الفصل (60) من الدستور المغربي الذي ينص على أن المعارضة مكون أساسي في مجلسي النواب والمستشارين، وأن لها الحق في أن تشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة وفق أحكام الدستور.
إن كل ما يخرج عن هذا الإطار الدستوري لا يستحق أن يطلق عليه وصف المعارضة، ذلك على اعتبار أن المعارضة ليست حالة فردية التنظيم، ولا يتصور اختصارها في فرد واحد أو عدد منهم خارج إطار جماعة سياسية منظمة. من هنا، فإن ما يقوم به بعض الأفراد في الأردن من التعبير عن آرائهم وأفكارهم الخاصة بهم، والذين يستعملون لهذه الغاية وسائل التواصل الاجتماعي – من داخل الأردن أو خارجه–لا يصلح أن يطلق عليهم دستوريا وصف المعارضين. فهم مواطنون أردنيون يمارسون حقهم في التعبير عن الرأي بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير وفق أحكام الدستور، ?كنهم لا يتمتعون بالحماية الدستورية ذاتها المقررة للمعارضة السياسية في الدساتير المقارنة.
laith@lawyer.com
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
مواضيع ذات صلة